للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعظم الأبدان ولو بحضرة الرجال على عادتهن في كل المواسم فكيف بموسم الشيطان، ويكثرن من الرقص والاضطراب والصياح، كل ذلك على مرأى ومسمع من الأحداث فينشأون على فساد الأخلاق ومنكر العادات.

وليت شعرى ما السر الذى دعا الشياطين أن لا تمس إلا نساء مصر دون نساء العالمين، فهاهن الأوروبيات لا يعرفن الزار، بل ولا شيئًا من هذه العادات السيئة كالندب والنياحة والولوع بزيارة الموتى وغير ذلك ممَّا كلت الناصحون من النهى عنه (ولكن) {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} (١).

لسنا ننكر أن للجن والشياطين سلطانًا على الأبدان وتأثيرًا بما يحصل بسببه الهلاك أو الجنون وكثير من أنواع الأمراض، وإن زعم ذلك المعتزلة وتبعهم القفال. فقد ورد في الحديث الصحيح: " ما من مولود يولد إلا يمسه الشيطان فيستهل صارخًا " متفق عليه من حديث أبي هريرة، وفي بعض الطرق: "إلا طعن الشيطان في خاصرته ومن ذلك يستهل صارخًا إلا مريم وابنها لقول أمها: وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" والحصر باعتبار الأغلب، والاقتصار على عيسى عليه السلام وأمه إيذانًا بإجابة دعاء امرأة عمران على أتم وجه ليتوجه أرباب الحاجة إلى الله تعالى بكلياتهم وصدق من نياتهم فيخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من العموم، فلا يلزم تفضيل عيسى عليه السلام في هذا المعنى، ويؤيده خروج المتكلم من عموم كلامه، وبه قال جمع من العلماء، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "كفوا صبيانكم أول العشاء فإنه وقت انتشار الشياطين" رواه البخارى، وفى حديث صفية: " إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم " متفق عليه.

ثم إن الجنون الذى يحصل من الجن تاره يكون بسبب المس، والمصادمة فيصادف في أخلاط الإنسان استعدادًا للفساد فتفسد ويحدث الجنون، وهذا لا ينافى ما ذكره الأطباء من أن ذلك من غلبة المرة السوداء لأن غلبة المرة السوداء سبب قريب، والمس سبب بعيد.


(١) [سورة الكهف: الآية ١٧].
هـ ٤٠

<<  <   >  >>