وكيف يجرءون على استحسان هذا قد أنكر الاستحسان في الدين الإمام الشافعى رحمه الله وقد بالغ في إنكاره حيث قال: من استحسن فقد شرع، ومعناه كما نقل عن الرويانى: أنه نصب من جهة نفسه شرعًا غير الشرع، وقال في "الرسالة": الاستحسان تلذذ، ولو جاز لأحد الاستحسان في الدين لجاز ذلك لأهل العقول من غير أهل العلم، ولجاز أن يشرع في الدين في كل باب وأن يخرج كل أحد لنفسه شرعًا، وهو محمول على الاستحسان بالهوى والشهوة من غير دليل شرعى كما تقدم. لهذا كان مكروهًا.
وأشد كراهة منه صلاة التراويح مع التخفيف المفرط فيها جهلًا من الأئمة وكسلًا من الناس، والانفراد في هذه الحالة أفضل من الجماعة، بل إن علم المأموم أن الإمام لا يتم بعض الأركان لم يصح اقتداؤه به أصلًا. ومن اعتبر صلاة التراويح اليوم بها حال تشريعها وأيام القرون الأولى يرى أن الناس قد ذهبوا بكل مزاياها، وعطلوا معظم شعائرها، وأحدثوا بدعًا سيئة لا يرضاها الله ولا رسوله ولا مسلم له على الشرع غيرة، فترى العوام فيها يشتركون جميعًا في الذكر والتسبيح بين كل ترويحتين، ويحدثون ضجة هائلة لا تجعل أثرًا للخشوع في القلوب نسأل الله الهداية بمنه وكرمه.
ومن البدع الفاشية في الناس احتفال المسلمين في المساجد بإحياء ليلة النصف من شعبان بالصلاة، والدعاء عقب صلاة المغرب، يقرءونه بأصوات مرتفعة بتلقين
الإمام، فإن إحياءها بذلك على الهيئة المعروفة لم يكن في عهد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ولا في عهد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وإنما اشتهر عن خالد بن معدان ومكحول الشامى من التابعين أنهما كانا يجتهدان في العبادة ليلة النصف من شعبان، فاختلف الناس بعدهما في فضل هذه الليلة وإحيائها بالعبادة، فمنهم من أقره ومنهم من أنكره، والمقرون له فريقان: فريق ذهب إلى استحباب إحيائها جماعة في المسجد، ومنهم إسحاق بن راهويه، وفريق يكره الاجتماع لها في المسجد، ولا يكره للرجل إحياءها بالصلاة وحده، واختاره الأوزاعى إمام أهل الشام.