للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس وتأخر وبعد، وقانا الله شره، ولا جعل له على قلوبنا دليلًا، ولا إلى أعمالنا سبيلًا، إن ربى لسميع الدعاء.

ومن البدع المكروهة في الصلاة رفع الصوت حيث يطلب الإسرار، كالجهر بالاستعاذة أو دعاء الافتتاح أو التسبيح في الركوع والسجود أو بالتشهد وكالجهر بالفاتحة والسورة في السرية، فإن ذلك لم يكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه ولا السلف الصالح، وهؤلاء قدوتنا إلى الله تعالى فإن لم نقتد بهم فبمن نقتدى؟

ومن البدع المكروهة قول المصلى عقب التسليمة الأولى: اللهم أدخلنا الجنة، وعقب الثانية: أسألك النجاة من النار. قال بعض الأئمة: فإن هذا لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من العلماء، وهو إحداث دعاء في الصلاة في غير محله يفصل بأحدهما بين التسليمتين ويصل بالآخر التسليمة الثانية، وليس لأحد فصل الصفة المشروعة بمثل هذا.

ومن البدع التَّركية تهاون الناس بسجود التلاوة عند سماع آية السجود وهى من السنن المؤكدة أو الواجبات التى يطلب قضاؤها كما هو مبسوط في الفروع.

ومن البدع المكروهة ختم الصلاة على الهيئة المعروفة من رفع الصوت به وفى المسجد والاجتماع له والمواظبة عليه حتى اعتقد العامة أنه من تمام الصلاة وأنَّه سنة لابد منها، مع أنه مستحب انفرادًا سرًّا، فهذه الهيئة محدثة لم تعهد عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ولا عن الصحابة، وقد اتخذها الناس شعارًا للصلوات المفروضة عقب الجماعة، وقد صرح كثير من الفقهاء بأن إحدات الشعار في الدين مكروه، ولذا قال الإمام ابن الصلاح بكراهة ما يفعله الناس بعد فراغهم من السعى بين الصفا والمروة من صلاة ركعتين على متسع المروة، وكيف يجوز رفع الصوت به والله تعالى يقول في كتابه الحكيم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (١). والتضرع من الضراعة: وهى الذلة والخشوع والاستكانة، والخفية بضم الخاء وكسرها: الإسرار به، فإنه أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن الرياء، وانتصابهما على الحال، أي ادعوه متضرعين بالدعاء مخفين له مسرين، ثم علل ذلك بقوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (٢) في الدعاء بترك


(١) [سورة الأعراف: الآية ٥٥].
(٢) [سورة البقرة: الآية ١٩٠].

<<  <   >  >>