للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبى شيبة عن جابر: أنه - صلى الله عليه وسلم - أتى بكبشين أملحين عظيمين أقرنين موجوءين فأضجع أحدهما وقال: "بسم اللَّه واللَّه أكبر، اللهم عن محمد وآل محمد"، ثم أضجع الآخر وقال: "بسم اللَّه واللّه أكبر، اللهم عن محمد وأمته ممن شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ"، وكذا رواه إسحاق وأبو يعلى في مسنديهما، وبالجملة فقد روى هذا عن عدة من الصحابة وكثر مخرجوه، فلا يبعد أن يكون القدر المشترك -وهو أنه ضحى عن أمته- مشهورًا يجوز تقييد الكتاب به بما لم يجعله صاحبه.

أو ننظر إليه وإلى ما رواه الدارقطني: أن رجلًا سأله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان لي أبوان أبرهما حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "إن من البر بعد الموت أن تصلى لهما مع صلاتك وتصوم لهما مع صيامك"، وإلى ما روى عن أنس -رضى اللّه عنه-: أنه سأله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول اللّه إنا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعو لهم، فهل يصل ذلك إليهم؟ قال: "نعم إنه ليصل إليهم وإنهم ليفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدى إليه" رواه أبو حفص الكبير العكبرى. فهذه الآثار وما قبلها، وما في السنة أيضًا من نحوها عن كثير قد تركناه خشية الإطالة، يبلغ القدر المشترك بين الكل -وهو أن من جعل شيئًا من الصالحات لغيره نفعه اللّه به- مبلغ التواتر.

وكذا ما جاء في الكتاب الحكيم من الأمر بالدعاء للوالدين في قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (١)، ومن الإخبار باستغفار الملائكة للمؤمنين قال تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} (٢)، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (٣)، وساق عبارتهم: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ

رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} (٤) قطعى في حصول الانتفاع بعمل الغير فيخالف ظاهر الآية التى استدلوا بها؛ لأن ظاهرها أنه لا ينفع استغفار أحد لأحد بوجه من الوجوه لأنَّه ليس من سعيه، فلا يكون له منه شيء، فقطعنا بانتفاء إرادة ظاهرها على


(١) [سورة الإسراء: الآية ٢٤].
(٢) [سورة الشورى: الآية ٥].
(٣) [سورة غافر: الآية ٧].
(٤) [سورة غافر: الآيات ٧ - ٩].

<<  <   >  >>