صرافته فتتقيد بما لم يهبه العامل، وهو أولى من النسخ.
(أما أولًا): فلأنه أسهل إذ لم يبطل بعد الإرادة.
(وأما ثانيًا): فلأن الآية من قبيل الخبر ولا يجرى النسخ في الأخبار، وما يتوهم جوابًا من أنه تعالى أخبر في شريعة إبراهيم وموسى عليهما السلام ألا يجعل الثواب لغير العامل، ثم جعله لمن بعدههم من أهل شريعتنا، حقيقة مرجعه، إلى تقييد الإخبار لا إلى النسخ؛ لأن حقيقته أن يراد المعنى ثم ترفع إرادته، وهذا تخصيص بالإرادة بالنسبة إلى أهل تلك الشرائع، ولم يقع نسخ لهم، ولم يرد الإخبار أيضًا في حقنا ثم نسخ.
وأما جعل اللام في "للإنسان" بمعنى على فبعيد من ظاهرها، ومن سياق الآية أيضًا، فإنها وعظ للذى تولى وأعطى قليلًا وأكدى، وقد ثبت في ضمن الجواب عن قول المعتزلة الجواب عن قول الإمام مالك والإمام الشافعى -رضى اللّه عنهما- في العبادات البدنية بما في الآثار. ا هـ من "فتح القدير" بتصرف واللّه الموفق للصواب.
وفى "شرح الإحياء" ما ملخصه: اتفق أهل السنة على أن الأموات ينتفعون من سعى الأحياء بأمرين: أحدهما ما تسبب إليه الميت في حياته، كأن كان قدوة صالحة في عمل أو معلمًا له، فإنه ينتفع بعمل من أرشدهم بقوله أو فعله زيادة على انتفاعه بأصل ذلك القول أو الفعل، والثانى دعاء المسلمين واستغفارهم له والصدقة والحج. واختلف في العبادات البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القرآن والذكر، فذهب أبو حنيفة وأحمد وجمهور السلف إلى وصولها والمشهور من مذهب الشافعى ومالك عدم وصولها، وذهب بعض أهل الكلام (المعتزلة) إلى عدم وصول شيء البتة لا الدعاء ولا غيره، وقوله مردود بالكتاب والسنة.
واستدلاله بقوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}(١) مدفوع بأنه لم ينف انتفاع الإنسان بسعى غيره وإنما نفى ملك غير سعيه. وأما سعى غيره فهو ملك لساعيه فإن شاء بذله لغيره وإن شاء أبقاه لنفسه - وهو سبحانه لم يقل إنه لا ينتفع إلَّا بما سعى - ثم قراءة القرآن وإهداؤه له تطوعًا بغير أجرة يصل إليه. أما لو أوصى بأن يعطى شيء من ماله لمن يقرأ القرآن على قبره فالوصية باطلة لأنَّه في معنى