للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة" رواه البخارى وأحمد والنسائى وابن ماجه من حديث سعد بن أبى وقاص.

ومعلوم أن الأولياء والصالحين يتألمون بالبلايا، وليس ذلك عذابًا بالمعنى الأول، بل الألم الجِبِلِّىِّ الذى يرونه رحمة منه تعالى، ولذا قال بعض السلف في شأن القرن الماضى إن كان أحدهم ليفرح بالبلايا كما يفرح أحدكم بالرخاء، والعذاب يستعاذ منه ولا يفرح به، وقال بعضهم: البلية إذا اقترنت بالصبر كانت نعمة. ذهب إلى هذا التأويل ابن جرير الطبرى واختاره القاضى عياض والعراقي وغيرهم من المحققين.

وقد استدلوا له بما أخرجه ابن أبى خيثمة وابن أبي شيبة والطبرانى وغيرهم من

حديث قَيْلة وفيه: "فوالذى نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكى فيستعبر إليه صويحبه، فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم". قال الحافظـ هو حسن الإسناد، فيستعبر إليه صويحبه: أي فيبكى لأجل بكائه ويتألم له.

ويؤيده ما قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: إن أعمال العباد تعرض على أقربائهم من موتاهم كما جاء ذلك في الأحاديث التى سبقت، ويدل له أيضًا ما في "الزواجر" أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سمع صوت بكاء فدخل ومعه غيره فمال عليهم ضربًا حتى بلغ النائحة فضربها حتى سقط خمارها وقال: اضرب فإنها نائحة ولا حرمة لها إنها لا تبكى لشجوكم إنها تهريق دموعها على أخذ دراهمكم، وإنها تؤذى موتاكم في قبورهم وأحياءكم في دورهم، إنها تنهى عن الصبر قد أمر الله به، وتأمر بالجزع وقد نهى الله عنه. فإنه يفيد أن تعذيب الميت إيذاؤه وأن إيذاءه من جنس إيذاء الحى، وظاهر أن إيلامهم بتذكير المصيبة وتجديد الأحزان.

ولا يخفى أن هذا التأويل يقضى بحمل البكاء في الحديث على عمومه ولا يختص بالندب وهو تعديد محاسن الميت ولا بالنياحة وهى رفع الصوت بالندب ضرورة أن الأرواح إذا لم تتغير عن أوضاعها فهى تتألم من كل ما يتألم منه الحى، والإنسان إذا رأى غيره يبكى يتألم له وإن لم يكن معه ندب أو نوح، بل كان مجرد دمع العين، وذلك مشكل بما

<<  <   >  >>