للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أيضًا: "إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه" فقيده ببعض البكاء فحمل على ما فيه نياحة جمعًا بين الأحاديث.

ويدل أيضًا على أنه ليس المراد مطلق البكاء: بكاء عمر بن الخطاب -رضى الله

عنه- بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - هو راوى الحديث، وكذا بكاء ابنه عبد الله بن عمر، ففى "مصنف ابن أبى شيبة" من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "حضره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر -تعنى سعد بن معاذ- فوالذى نفس محمد بيده إنى لأعرف بكاء عمر من بكاء أبى بكر، وإنى لفى حجرتى"، ورواه أحمد عنها أيضًا بلفظ: "أن سعد بن معاذ لما مات حضره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر فوالذى نفسى بيده إنى لأعرف بكاء أبى بكر من بكاء عمر وأنا في حجرتى".

وجه الاستدلال بهذا الحديث: تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - لهما على البكاء وعدم إنكاره عليهما مع أنه قد حصل منهما زيادة على مجرد دمع العين، ولهذا فرقت عائشة بين بكاء أبى بكر وعمر وهى في حجرتها، وكان الواقع منهما ممَّا لا يمكن دفعه ولا يقدر على كتمه، ولم يبلغ إلى المنهى عنه، ويؤيد ذلك ما حكاه الإمام النووى من إجماع العلماء على أن المراد بالبكاء الذى يعذب الميت عليه هو البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين؛ لأنَّه مباح كما سبق.

(وصفوة القول) أن الأحاديت التى تفيد أن الميت يعذب بمطلق البكاء محمولة على ما كان منه بصوت ونياحة جمعًا بينها وبين أحاديث النياحة.

فإن قيل: المكلف لا يعذب بفعل غيره، نقول: ذهب أكثر العلماء إلى تأويل هذه الأحاديث لمخالفتها للعمومات القرآنية وإثباتها تعذيب من لا ذنب له على وجوه:

(منها): أن ذلك محمول على ما إذا أوصى أن يبكى عليه وهو تأويل الجمهور، قالوا: وقد كان ذلك من عادات العرب كما قال طرفة بن العيد:

إذا مت فابكينى بما أنا أهله … وشقى على الجيب يا أُم معبد

ولا يلزم من وقوع النياحة من أهل الميت امتثالًا له أن لا يعذب

<<  <   >  >>