للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لسانه. متفق عليه، وفى الحديث أيضًا: أنه رفع إليه - صلى الله عليه وسلم - ابن لبنته وهو في الموت ففاضت عيناه فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: "هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" متفق عليه، وروى البخارى أنه صلى الله تعالى عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: أنت يا رسول الله؟ فقال: "يا ابن عوف إنها رحمة"، ثم أتبعها بأخرى، فقال: "أن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون". ذرفت العين ذوفًا من باب ضرب دمعت، وذرف الدمع: سال، ورحمة: رقة القلب.

وثبت أيضًا أنه بكى بعده، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "شهدنا بنتًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدفن ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس عند القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان" رواه البخارى، وقد بين الواقدى وغيره في روايته أن البنت أم كلثوم، وقد رد البخارى قول من قال. إنها رقية بأنها ماتت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بدر فلم يشهد دفنها، ومن ذلك كله أخذ العلماء أن دمع العين بلا بكاء لا كراهة فيه، بل هو مباح.

وبالنوح يعذب الميت، ففى صحيح مسلم عن ابن عمر -رضى اللّه عنهما- أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت ليعذب ببكاء الحى عليه": أي سواء كان الباكى من أهل الميت أم لا، فليس الحكم مختصًّا بأهله، وراه البخارى أيضًا بلفظ: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه"، ولفظ الأهل فيه مخرج مخرج الغالب لأن المعروف أنه إنما يبكى على الميت أهله. ومطلق البكاء في الحديث محمول على ما كان بنوح لا مجرد دمع العين، فعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة" متفق عليه، وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الميت يعذب في قبره بما نيح عليه"، وفى رواية: "ما نيح عليه": أي مدة النوح عليه، متفق عليه، وفى صحيح البخارى

<<  <   >  >>