للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجيوب … " الحديث، ثم قال: ويجب الجزم بأن من جمع بين النياحة وشق الجيب والصياح، مع العلم بالتحريم واستحضار النهى عنه والتشديدات فيه وتعمد ذلك خرج عن العدالة، لجمعه بين هذه القبائح وإيذاء الميت بذلك، كما نطقت به السنة انتهى. وقال الخادم: وأما النياحة وما بعدها فقضية الخير بالتوعد عليه أن يكون كبيرة. اهـ.

وجملة الكلام: أنه يحرم الندب وهو تعديد محاسن الميت كواجبلاه واعزاه، والنوح وهو رفع الصوت بالندب، ومثله الإفراط في رفعه بالبكاء وإن لم يكن معه ندب ولا نوح وضرب نحو الخد وشق نحو الجيب ونشر الشعر وحلقه، ونتفه، وتسويد الوجه وإلقاء الرماد على الرأس، والدعاء بالويل والثبور، وكل شيء فيه تغيير للزى كلبس ما لا يعتاد لبسه أصلًا أو على تلك الصفة، وكترك شيء من لباسه والخروج بدونه على خلاف العادة. وقد ابتلى كثير من الناس بتغيير الزى، وعدم حلق الشعر، مع ما تقرر من حرمته، بل كونه كبيرة وفسقًا قياسًا على تلك المذكورات وإن كانت أفحش من ذلك لأنهم عللوها بما يعم الكل وهو أن ذلك يشعر إشعارًا ظاهرًا بالسخط وعدم الرضا بالقضاء والعياذ بالله تعالى.

"والصغيرة": هى التى لا يشم منها الاعتراض على القضاء ولكنها تبعد السلوة عن أهل الميت وتبعث الأسى في نفوسهم فيؤدى ذلك إلى تعذيب نفوسهم وقلة صبرهم وشدة ضجرهم، وربما حملهم ذلك على شق الجيوب وضرب الخدود، وكل هذا ينهى عنه الشارع سواء كان في المسألتين مع النياحة بكاء أم لا (نعم) إذا انضم إليها البكاء كانت أشد تحريمًا، فإن في البكاء زيادة تعذيب للنفس.

(أما) البكاء السالم من كل ذلك فهو جائز قبل الموت وبعده لكن الأولى تركه بعده إن أمكن، إذ قد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى قبله على ولده وغيره، ففى الحديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - عاد سعد بن عبادة ومعه جماعة هم: عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنهم- فبكى، فلما رأوه بكوا، فقال: "ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن

يعذب بهذا أو يرحم" وأشار إلى

<<  <   >  >>