للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثل البدعة في هذا كل معصية صغيرة، إذا فعلت بحيث يقتدى بفاعلها صارت كبيرة، فعلى حسب كثرة الأتباع يعظم عليه الوزر.

وأن لا يستحقرها، فإن ذلك استهانة بها والاستهانة بالذنب أعظم من الذنب، فإن الذنب كلما استعظمه العبد من نفسه صغر عند الله، كلما استصغره كبر عند الله؛ لأن استعظامه يكون عند نفور القلب منه وكراهته له، وذلك النفور يمنع من شدة تأثره به، واستصغاره يكون عند الإلف به والأنس معه وذلك يوجب شدة أثره في القلب. وقد جاء في كون استصغار الذنب كبيرة قول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا": أي نحاه بيده فطار رواه البخارى. وإنما يعظم الذنب في قلب المؤمن لعلمه بجلال الله، فإذا نظر إلى عظم من عصى رأى الصغيرة كبيرة. وقد أوحى الله إلى بعض الأنبياء: لا تنظر إلى قلة الهدية وانظر إلى عظم مُهديها، ولا تنظر إلى صغر الخطيئة وانضر إلى كبرياء من واجهته بها.

"وأما الكبيرة": فهى البدعة الكلية السارية فيما لا ينحصر من فروع الشريعة، وهى التى يتحقق دخولها تحت الوعيد الوارد في الكتاب والسنة، فهو مخصوص بقسم الكبائر لا عام فيه وفى غيره، وما عدا ذلك من قبيل اللمم المرجو فيه العفو (مثال الكبيرة من البدع) بدعة التحسين والتقبيح العقليين وباقى الفرق الثلاث والسبعين، وبدعة إنكار الأخبار النبوية مطلقًا اكتفاء بالقرآن، فإنها مختصة بكليات الشريعة دون جزئياتها، وخواص البدع ظاهرة في أهل البدع الكلية من الفرقة والخروج عن الجماعة: (وصفوة القول) أنه ثبت أن المعاصى تنقسم إلى صغيرة وكبيرة، وأن الكبائر منحصرة في الإخلال بالضروريات المعتبرة في كل ملة وهى الدين والنفس والنسل والعمل والمال، وكل ما نص عليه راجع إليها، وما لم ينص عليه جرت في الاعتبار والنظر مجراها، وأن البدع من المعاصى فكذلك تنقسم إلى صغيرة وكبيرة، وأن ما أخل منها بأصل من هذه الضروريات فهو كبيرة، وما لا فهو صغيرة:

١ - مثال الابتداع في الدين تحريم: البحيرة، والسائبة، والوصيلة،

<<  <   >  >>