وكلياتها كالنصاب في السرقة، ألا ترى أن خواص البدعة غير ظاهرة في أهل البدع الجزئية غالبًا كالفرفة والخروج عن الجماعة، ولا يظهر فيها اتباع الهوى، حيث كان مثارها التأويل، والمفسدة فيها ليست كالمفسدة الحاصلة بالكلية.
فعلى الجملة إذا اجتمع في البدعة وصفان: كونها جزئية وكونها مبنية على شبهة صح أن تكون صغيرة، وأن الوصف بالضلال عام في البدع جزئية أو كلية.
أما الوعيد بالنار فخاص بالبدع الكلية كما يأتى (ومثالها) من نذر أن يصوم قائمًا لا يجلس، وضاحيًا لا يستظل، ومن حرم على نفسه شيئًا ممَّا أحل الله من النوم أو لذيذ الطعام أو النساء أو الأكل بالنهار، وبدعة الأذان والإقامة في العيدين، وبدعة التغنى بالقرآن والتطريب في الأذان وما إلى ذلك من البدع الإضافية.
ويشترط: زيادة على ما تقدم أن لا يداوم عليها فإن الصغيرة من المعاصى مع المداومة تكون كبيرة. ولذا قالوا: لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار، فكذلك البدعة.
وأن لا يدعو إليها فإن البدعة قد تكون صغيرة بالإضافة ثم يدعو مبتدعها إلى القول بها والعمل على مقتضاها فيكون إثم ذلك عليه، فإنه الذى أثارها وسبب كثرة وقوعها والعمل بها.
"ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها … " الحديث، وإنما تتفاوت الصغيرة والكبيرة بكثرة الإثم وقلته فربما تساوى الصغيرة من هذا الوجه الكبيرة أو تربو عليها، فمن حق المبتدع إذا ابتلى بالبدعة أن يقتصر على نفسه حتى لا يحمل مع وزره وزر غيره، ففى الحديث:"من ابتلى بشيء من هذه القاذورات (١) فليستتر بستر اللَّه" رواه الحاكم وغيره وسنده جيد.
وأن لا تفعل في المواضع التى هى مجتمعات الناس أو المواضع التى تقام فيها السنن وتظهر فيها أعلام الشريعة وإلَّا كان ذلك كالدعاء إليها بالتصريح، فإن المظهر
لها عنى هذا الوجه كأنه يقول هذه سنة فاتبعوها،
(١) جمع قاذورة، بمعنى الفعل القبيح، وقوله: "فليستتر بستر الله": أي بعد التوبة وعدم العود فلا يرى فاحشته التى ارتكبها.