للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (١) فإنه وعيد شديد منه تعالى على الكذب عليه في أحكامه، والقول في شأن ما لم يحله هذا حلال، وفى شأن ما لم يحرمه هذا حرام إلَّا بما أن الله تعالى أحله، أو حرمه.

وأصل الآية صد للعرب عن بدع الجاهلية ومذاهبهم الباطلة، التى كانوا عليها، بأن أمرهم بأكل ما رزقهم الله من الحلال الطيب، وشكر إنعامه بذلك، ثم عدد علمهم محرمات الله، ونهاهم عن التحليل، والتحريم بأهوائهم دون اتباع شرع الله، والكذب منصوب بلا تقولوا، وهذا حلال وهذا حرام بدل منه، واللام بمعنى في، والمعنى: ولا تقولوا الكذب في شأن ما تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة في قولكم ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا، من غير استناد في ذلك إلى شرع، وهو تشريع عام لجميع المكلفين فيما يتعلق به الحكم بالحل والحرمة، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

فإذا وجدت في كلامهم في البدع أو غيرها أكره هذا، ولا أحب هذا، وهذا مكروه، وما أشبه ذلك فلا تقطعن بأنهم يريدون التنزيه فقط، اللهم إلَّا أن يطلقوا لفظ المكروه على ما يكون له أصل في الشرع، ولكن يعارضه أمر آخر معتبر في الشرع فيكره لأجله، لا لأنَّه بدعة مكروهة.

وكلية قوله: "كل بدعة ضلالة" شاهدة لهذا المعنى، وكل ما ورد في ذم البدع يقتضى التأثيم والتهديد والوعيد وهى خاصية المحرم، فإذا تقرر أن البدعة لا تكون إلَّا حرامًا وأنها معصية دائمًا فهى متفاوتة الرتبة في معنى الحرمة كغيرها من سائر المعاصى، فتنقسم إلى صغيرة وكبيرة وليست الكبيرة على درجة واحدة في الحرمة كما لا يخفى على من عرف وجوه التفاوت في الكبائر من المعاصى.

أما الصغيرة: فهى البدعة الجزئية الواقعة في الفروع الجزئية بشرط أن تكون مينية على شبهة تخيل أنها شرع ودين، فإنها إذا كانت كذلك لا يتحقق دخولها

تحت الوعيد بالنار الوارد في شأن البدعة وإن دخلت تحت الوصف بالضلال، كما لا يتحقق ذلك في سرقة لقمة أو التطفيف بحبة، وإن كان داخلًا تحت وصف السرقة، بل المتحقق دخول عظائمها


(١) [سورة النحل: الآيتان ١١٦، ١١٧].

<<  <   >  >>