للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْفَجْوَةِ، وَفِي هَذَا كُلّهِ بُرْهَانٌ عَظِيمٌ عَلَى نُبُوّتِهِ، وَدَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى صِدْقِهِ، وَأَنّهُ غَيْرُ مُتَقَوّلٍ، كَمَا زَعَمُوا، فَقِفْ بِقَلْبِك عَلَى مَضْمُونِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، وَالْمُرَادُ بِهَا تُعْصَمْ إنْ شَاءَ اللهُ مِمّا وَقَعَتْ فِيهِ الْمُلْحِدَةُ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَقَوْلِهِمْ: أَيّ فَائِدَةٍ فِي أَنْ تَكُونَ الشّمْسُ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ، وَهَكَذَا هُوَ كُلّ بَيْتٍ يَكُونُ فِي مَقْنُوَةٍ، أَيْ: بَابُهُ لِجِهَةِ الشّمَالِ، فَنَبّهَ أَهْلُ الْمَعَانِي عَلَى الْفَائِدَةِ الْأُولَى الْمُنْبِئَةِ عَنْ لُطْفِ اللهِ بِهِمْ، حَيْثُ جَعَلَهُمْ فِي مَقْنُوَةٍ تَزَاوَرُ عنهم الشمس فلا تؤذيهم، فيقال: لِمَنْ اقْتَصَرَ مِنْ أَهْلِ التّأْوِيلِ عَلَى هَذَا: فَمَا فِي ذِكْرِ الْكَلْبِ وَبَسْطِ ذِرَاعَيْهِ مِنْ الْفَائِدَةِ، وَمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى اللّطْفِ بِهِمْ؟ فَالْجَوَابُ: مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ أَنّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَتْرُكْ مِنْ بَيَانِ حَالِهِمْ شَيْئًا، حَتّى ذَكَرَ حَالَ كَلْبِهِمْ مَعَ أَنّ تَأَمّلَهُمْ مُتَعَذّرٌ عَلَى مَنْ اطّلَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ الرّعْبِ، فَكَيْفَ مَنْ لَمْ يَرَهُمْ، وَلَا سَمِعَ بِهِمْ، لَوْلَا الْوَحْيُ الّذِي جَاءَهُ مِنْ اللهِ سُبْحَانَهُ بِالْبَيَانِ الْوَاضِحِ الشّافِي، وَالْبُرْهَانِ الْكَافِي، وَالرّعْبِ الّذِي كَانَ يَلْحَقُ الْمُطَلّعَ عَلَيْهِمْ، قِيلَ: كَانَ مِمّا طَالَتْ شُعُورُهُمْ وَأَظْفَارُهُمْ. وَمِنْ الْآيَاتِ فِي هَذِهِ القصة قوله سبحانه: فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ أَيْ: فِي فَضَاءٍ، وَمَعَ أَنّهُمْ فِي فَضَاءٍ مِنْهُ، فَلَا تُصِيبُهُمْ الشّمْسُ. قَالَ ابْنُ سَلّامٍ:

فهذه آية. قال: وكانوا يقلّبون فى السنة مَرّتَيْنِ «١» ، وَمِنْ فَوَائِدِ الْآيَةِ: أَنّهُ أَخْرَجَ الْكَلْبَ عَنْ التّقْلِيبِ، فَقَالَ: بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ، وَمَعَ أَنّهُ كَانَ لَا يُقَلّبُ لَمْ تَأْكُلْهُ الْأَرْضُ؛ لِأَنّ التّقْلِيبَ كَانَ مِنْ فِعْلِ الْمَلَائِكَةِ بِهِمْ، وَالْمَلَائِكَةُ أَوْلِيَاءُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَالْكَلْبُ خَارِجٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ. أَلَا تَرَاهُ


(١) قوله: مرتين رجم بالغيب أيضا، واللفظ يفيد أكثر من مرتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>