مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ، فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ. فَلَقِيَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ بِذَلِك السّاحِلِ فِي ثلاث مائة رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ. فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ. وَكَانَ مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَانْصَرَفَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ بَعْضٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ.
[كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ فى الإسلام وشعر حمزة فى ذلك]
وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ: كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَذَلِكَ أَنّ بَعْثَهُ وَبَعْثَ عبيدة كانا معا، فشبّه ذلك على الناس. وقد زعموا أن حمزة قد قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا يَذْكُرُ فِيهِ أَنّ رَايَتَهُ أَوّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ حَمْزَةُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَقَدْ صَدَقَ إنْ شَاءَ اللهُ، لَمْ يَكُنْ يَقُولُ إلّا حَقّا، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ. فَأَمّا مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا. فَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَوّلُ مَنْ عُقِدَ لَهُ.
فَقَالَ حَمْزَةُ فِي ذَلِكَ، فِيمَا يَزْعُمُونَ:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِحَمْزَةِ رَضِيَ الله عنه:
أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلتّحَلّمِ وَالْجَهْلِ ... وَلِلنّقْصِ مِنْ رَأْيِ الرّجَالِ وَلِلْعَقْلِ
وَلِلرّاكِبِينَا بِالْمَظَالِمِ لَمْ نَطَأْ ... لَهُمْ حُرُمَاتٍ مِنْ سَوَامٍ وَلَا أَهْلِ
كَأَنّا تَبَلْنَاهُمْ وَلَا تَبْلَ عِنْدَنَا ... لَهُمْ غَيْرُ أَمْرٍ بِالْعَفَافِ وَبِالْعَدْلِ
وَأَمْرٍ بِإِسْلَامٍ فَلَا يَقْبَلُونَهُ ... وَيَنْزِلُ مِنْهُمْ مِثْلَ مَنْزِلَةِ الْهَزْلِ
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .