للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أبايعك كتابِ الله، وسنةِ رسولِ الله، وعلى سيرةِ الشيخين)، فبايعه عثمان، ولم يفعلْ علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -، وقال: (أقضي بالكتابِ والسنةِ، وأجتهدُ رأيي) (١).

وجه الدلالة: أنَّ عثمانَ وعبد الرحمن - رضي الله عنهما - قلَّدا أبا بكرٍ وعمرَ - رضي الله عنهما -؛ لأنَّهما أعلمُ منهما، وتَرَكَ عليٌّ - رضي الله عنه - تقليدَ أبي بكرٍ وعمر؛ لأنَّه مساوٍ لهما في العلمِ (٢).

مناقشة الدليل الثاني: تقدمت مناقشةُ الاستدلالِ بما جاءَ عن عبدِ الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما - في أدلةِ أصحابِ القولِ الثاني.

ويضاف هنا وجه آخر، وهو: مِنْ أينَ لكم أنَّ امتناع علي - رضي الله عنه - عن المبايعةِ على سيرةِ الشيخين؛ لأنَّه اعتقدَ أنَّه مثلهما في العلمِ؟ ! إذ يحتملُ أنَّه امتنعَ، وهو يرى أنّه دونهما في العلمِ؛ لأنَّه يمنعُ المجتهدَ مِن تقليدِ غيرِه (٣).

الدليل الثالث: ما جاءَ أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ - رضي الله عنه - سألَ عبدَ الله بنَ مسعود - رضي الله عنه - عن مسألةٍ في الصرفِ؟ فأجابَ فيها بأنَّه لا بأسَ به. فقال عمر: (لكنَّي أكرهه). فقالَ ابنُ مسعود: (قد كرهتُه إذ كرهتَه) (٤).

وجه الدلالة: أنَّ عبدَ الله بن مسعود - رضي الله عنه - تَرَكَ رأيه تقليدًا لعمر؛ لأنَّه لا يمكن أنْ يكون قد اجتهدَ في انتقالِه عن قولِه الأول؛ إذ لم يكنْ بين القولين مدةٌ يمكنُه معها النظرُ والاستدلالُ (٥).


(١) لم أقف على من أخرج قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بهذا اللفظ، وقد أورده بعض الأصوليين باللفظ المذكور - كما سيأتي في توثيق وجه الدلالة - وقد تقدم تخريج حادثة البيعة في: (ص/ ٣٨٠).
(٢) انظر: الفصول في الأصول للجصاص (٤/ ٢٨٣ - ٢٨٤)، ومسائل الخلاف للصيمري (ص/ ٣٧٨)، وقواطع الأدلة (٥/ ١٠٣)، والواضح في أصول الفقه (٥/ ٢٥٣).
(٣) انظر: شرح اللمع (٢/ ١٠٢٩).
(٤) تقدم بيان حال الأثر في: (ص/ ٣٨٢).
(٥) انظر: الفصول في الأصول للجصاص (٤/ ٢٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>