للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ذلك بمحضرِ الصحابةِ - رضي الله عنهم -، ولم يُنكرْ عليه أحدٌ، دلَّ على انعقادِ الإجماعِ على جوازِ تقليدِ المجتهدِ لغيرِه مِن المجتهدين (١).

ثانيًا: قولُ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (إنِّي كنتُ رأيتُ في الجدِّ رأيًا، فإنْ رأيتم أنْ تتبعوه، فاتبعوه). فقال له عثمانُ بن عفان: (إنْ نتبعْ رأيَك، فرأي رُشْدٍ، وإنْ نتبعْ رأي الشيخِ فنِعْمَ ذو الرأي كان) (٢).

وجه الدلالة: أنَّ عمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - دعا الناسَ - وفيهم: المجتهدون، والعوام - إلى اتباعِ رأيه، وتقليدِه فيه، وأقرّه عثمانُ بن عفان - رضي الله عنه - على ذلك (٣).

ثالثًا: أن عمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - أرسلَ إلى امرأةٍ مُغَيّبةٍ، كان يُدخل عليها، فقيل لها: أجيبي عمر. فقالت: يا ويلها، ما لها ولعمرَ. فَبَيْنَا هي في الطريقِ، فَزِعَتْ، فضربها الطلْقُ، فدخلتْ دارًا، فألقتْ ولدَها، فصاحَ الصبي صيحتين، ثمْ ماتَ.

فاستشار عمرُ الصحابةَ - رضي الله عنهم -، فقالَ عثمانُ بن عفان وعبدُ الرحمن بن عوف: (إنَّما أنتَ مودبٌ، ولا شيءَ عليك)، وعليٌّ ساكتٌ. فقالَ له عمرُ: (ما


(١) انظر: المصادر المذكورة في توثيق صدر الدليل الخامس، وفتح الباري لابن حجر (١٣/ ١٩٨).
(٢) أخرج أثر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: عبد الرزاق في: المصنف، كتاب: الفرائض، باب: فرض الجد (١٠/ ٢٦٣)، بالرقمين (١٩٠٥١ - ١٩٠٥٢)؛ والدارمي في: السنن، في: المقدمة، باب: اختلاف الفقهاء (١/ ٤٩٠)، برقم (٦٥٥)، وفي: كتاب: الفرائض، باب: قول عمر في الجد (٤/ ١٩١٦)، برقم (٢٩٥٩)؛ والحاكم في: المستدرك، كتاب: الفرائض (٤/ ٤١٨)، برقم (٧٩٨٣)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي؛ وابن حزم في: المحلى (١٠/ ٣٧٣)، وقال عن إسناده في: (١٠/ ٣٩٣): "أصح إسناد". والبيهقي في: السنن الكبرى، كتاب: الفرائض، باب: من لم يورث الإخوة مع الجد (٦/ ٢٤٦).
وإسناد أثر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صحيح. انظر: التحجيل لعبد العزيز الطريفي (١/ ٣٢٣).
(٣) انظر: التبصرة (ص/ ٤٠٧)، والواضح في أصول الفقه (٥/ ٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>