الصَّوَابِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ الْحَدِيثُ مَعْرُوفًا، وَلَفْظُ الْعَرَبِ بِهِ ظَاهِرًا مَعْلُومًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحَدِّثَ لَوْ قَالَ: لَا يَؤُمُّ الْمُسَافِرَ الْمُقِيمُ. بِنَصْبِ الْمُسَافِرِ وَرَفْعِ الْمُقِيمِ، كَانَ قَدْ أَحَالَ الْمَعْنَى؟ فَلَا يَلْزَمُ اتِّبَاعُ لَفْظِهِ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ: كَانَ إِذَا مَرَّ بِأَبِي لَحْنٌ فَاحِشٌ غَيَّرَهُ، وَإِنْ كَانَ سَهْلًا تَرَكَهُ وَقَالَ: كَذَا قَالَ الشَّيْخُ.
وَكَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ مُجْمَعًا عَلَى الْخَطَأِ فِيهِ، إِمَّا بِالِاسْتِقْرَاءِ التَّامِّ لِلِسَانِ الْعَرَبِ، أَوْ بِوُضُوحِ الْأَمْرِ فِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ حَزْمٍ فِي (الْإِحْكَامِ) لَهُ فِيمَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِالتَّحْرِيمِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْوَاقِعَ فِي الرِّوَايَةِ إِنْ كَانَ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الْكَلَامِ أَلْبَتَّةَ حَرُمَ عَلَيْهِ تَأْدِيَتُهُ مَلْحُونًا، لِتَيَقُّنِنَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَلْحَنْ قَطُّ، وَإِنَّ جَازَ وَلَوْ عَلَى لُغَةِ بَعْضِ الْعَرَبِ أَدَّاهُ كَمَا سَمِعَهُ.
وَنَحْوُهُ قَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ الْفَسَوِيِّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْقَابِسِيُّ: إِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ قُرِئَ عَلَى الصَّوَابِ وَأُصْلِحَ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَقُولُهُ بَعْضُ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي لُغَةِ قُرَيْشٍ، فَلَا ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بِلُغَتِهِمْ. يَعْنِي كَقَوْلِهِ عَلَى لُغَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ فِي قَلْبِ اللَّامِ مِيمًا: ( «لَيْسَ مِنَ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ» ) .
وَمِنْ ثَمَّ أَشَارَ ابْنُ فَارِسٍ إِلَى التَّرَوِّي فِي الْحُكْمِ عَلَى الرِّوَايَةِ بِالْخَطَأِ، وَالْبَحْثِ الشَّدِيدِ، فَإِنَّ اللُّغَةَ وَاسِعَةٌ، بَلْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّ كَثِيرًا مَا نَرَى مَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَطَأً، وَرُبَّمَا غَيَّرُوهُ، صَوَابًا ذَا وَجْهٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ خَفِيَ وَاسْتُغْرِبَ، لَا سِيَّمَا فِيمَا يَعُدُّونَهُ خَطَأً مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ لُغَاتِ الْعَرَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute