للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحْمَدَ: مَا زَالَ الْقَلَمُ فِي يَدِ أَبِي حَتَّى مَاتَ، وَكَانَ يَقُولُ: إِذَا لَمْ يَتَصَرَّفِ الشَّيْءُ فِي مَعْنًى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصْلَحَ. أَوْ كَمَا قَالَ.

وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُنَيِّرِ لِهَذَا الْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ: (نَضَّرَ اللَّهُ) : ( «فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» ) . يَعْنِي لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى عَدَمِ تَقْلِيدِ الرَّاوِي فِي كُلِّ مَا يَجِيءُ بِهِ.

وَكَذَا احْتَجَّ لَهُ ابْنُ فَارِسٍ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ: (فَبَلَّغَهَا كَمَا سَمِعَ) لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ: كَمَا سَمِعَ مِنْ صِحَّةِ الْمَعْنَى وَاسْتِقَامَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ كَمَا رُوِّينَا فِي (جَامِعِ الْخَطِيبِ) : إِذَا كَتَبَ لَحَّانٌ، وَعَنِ اللَّحَّانِ آخَرُ مِثْلُهُ.

وَعَنِ الثَّانِي ثَالِثٌ مِثْلُهُ صَارَ الْحَدِيثُ بِالْفَارِسِيَّةِ. وَنَحْوُهُ مَا قِيلَ فِي تَرْكِ الْمُقَابَلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَالْقَوْلُ بِهِ، أَيْ بِالرِّوَايَةِ عَلَى الصَّوَابِ مَعَ الْإِصْلَاحِ، لَازِمٌ عَلَى مَذْهَبِ الْأَكْثَرِينَ فِي تَجْوِيزِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى. فَقَوْلُهُ: لَازِمٌ. يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ ; لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ التَّغْيِيرُ فِي صَوَابِ اللَّفْظِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجِبَ فِي خَطَئِهِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ مُجَرَّدَ إِلْزَامِهِمُ الْقَوْلَ بِهِ لِكَوْنِهِ هُنَا آكَدُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَرَّحَ الْخَطِيبُ بِالْجَوَازِ فَقَالَ: وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُذْكَرَ الْخَطَأُ الْحَاصِلُ فِي الْكِتَابِ إِذَا كَانَ مُتَيَقَّنًا، بَلْ يُرْوَى عَلَى الصَّوَابِ.

بَلْ كَلَامُهُ فِي (الْكِفَايَةِ) قَدْ يُشِيرُ إِلَى الِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ اللَّحْنُ يُحِيلُ الْمَعْنَى فَلَا بُدَّ مِنْ تَغْيِيرِهِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الرُّوَاةِ يُحَرِّفُونَ الْكَلَامَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيُزِيلُونَ الْخِطَابَ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مَنْ أَخَذَ عَمَّنْ هَذِهِ سَبِيلُهُ أَنْ يَحْكِيَ لَفْظَهُ إِذَا عَرَفَ وَجْهَ

<<  <  ج: ص:  >  >>