وَتَشَعُّبِهَا، هَذَا أَبُو الْوَلِيدِ الْوَقْشِيُّ مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي اللُّغَةِ وَكَثْرَةِ مُطَالَعَتِهِ وَافْتِنَانِهِ وَثُقُوبِ فَهْمِهِ وَحِدَّةِ ذِهْنِهِ، كَانَ يُبَادِرُ إِلَى الْإِصْلَاحِ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ الصَّوَابَ فِيمَا كَانَ فِي الرِّوَايَةِ، كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالتَّمْرِيضِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لُغَةٌ، وَلِأَهْلِ الْحَدِيثِ لُغَةٌ، وَلُغَةُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَقْيَسُ، وَلَا نَجِدُ بُدًّا مِنَ اتِّبَاعِ لُغَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ أَجْلِ السَّمَاعِ.
وَرُئِيَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي الْمَنَامِ وَكَأَنَّهُ قَدْ مَرَّ مِنْ شَفَتِهِ أَوْ لِسَانِهِ شَيْءٌ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: لَفْظَةٌ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرْتُهَا بِرَأْيِي، فَفُعِلَ بِي هَذَا.
[كَيْفِيَّةُ إِصْلَاحِ اللَّحْنِ أَوِ الْخَطَأِ] :
وَلِذَا كُلِّهِ (صَوَّبُوا) أَيْ أَكْثَرُ الْأَشْيَاخِ (الْإِبْقَاءَ) لِمَا فِي الْكِتَابِ، وَتَقْرِيرَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ حَتَّى إِنَّهُمْ سَلَكُوهُ فِي أَحْرُفٍ مِنَ الْقُرْآنِ جَاءَتْ عَلَى خِلَافِ مَا فِي التِّلَاوَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، بِحَيْثُ لَمْ يُقْرَأْ بِهَا فِي الشَّوَاذِّ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا، كَمَا وَقَعَ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) وَ (الْمُوَطَّأِ) وَغَيْرِهَا. كُلُّ ذَلِكَ (مَعْ تَضْبِيبِهِ) أَيِ اللَّفْظِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ مِنَ الْعَارِفِ مِنْهُمْ بِالْعَلَامَةِ الْمُنَبِّهَةِ عَلَى خَلَلِهِ فِي الْجُمْلَةِ، (وَيَذْكُرُ) مَعَ ذَلِكَ (الصَّوَابَ) الَّذِي ظَهَرَ (جَانِبًا) ، أَيْ بِجَانِبِ اللَّفْظِ الْمُخْتَلِّ مِنْ هَامِشِ الْكِتَابِ.
(كَذَا عَنْ أَكْثَرِ الشُّيُوخِ) حَالَ كَوْنِهِ (نَقْلًا) لِعِيَاضٍ عَنْهُمْ (أُخِذَا) مِمَّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُهُمْ، وَحَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ أَيْضًا عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانِ رَاوِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ الْحَدِيثَ عَلَى مَا سَمِعَهُ لَحْنًا، وَيَكْتُبُ عَلَى حَاشِيَةِ كِتَابِهِ: كَذَا قَالَ، يَعْنِي الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ، وَالصَّوَابُ كَذَا. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute