للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاسْتَحَقَّهَا فِي إبَّانِ الْحَرْثِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ وَكَانَ لَهُ كِرَاءُ الْأَرْضِ عَلَى الَّذِي زَرَعَهَا، فَإِنْ اسْتَحَقَّهَا وَقَدْ فَاتَ إبَّانُ الزَّرْعِ، فَلَا كِرَاءَ لَهُ فِيهَا، وَكِرَاؤُهَا لِلَّذِي اشْتَرَاهَا أَوْ وَرِثَهَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا اسْتَغَلَّ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ زَرَعَ أَوْ سَكَنَ. وَإِنْ كَانَ غَصَبَهَا الزَّارِعُ، قُلِعَ زَرْعُهُ إذَا كَانَ فِي إبَّانٍ تُدْرَكُ فِيهِ الزِّرَاعَةُ، وَإِنَّمَا يُقْلَعُ مِنْ هَذَا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْغَصْبِ. فَأَمَّا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ شُبْهَةٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْلَعَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلَّذِي اسْتَحَقَّ الْكِرَاءَ.

قُلْتُ: فَإِنْ مَضَى إبَّانَ الْحَرْثِ وَقَدْ زَرَعَهَا الْمُكْتَرِي، أَوْ زَرَعَهَا الَّذِي اشْتَرَى الْأَرْضَ، فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ آخَرُ، أَيَكُونُ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟

قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْحَرْثَ قَدْ ذَهَبَ إبَّانُهُ.

قُلْتُ: وَتَجْعَلُ الْكِرَاءَ لِلَّذِي أَكْرَاهَا؟

قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ فِيمَا بَلَغَنِي إذَا لَمْ يَكُنْ غَصَبَهَا قَالَ: وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ يُكْرِيهَا فَيَأْخُذُ غَلَّتَهَا، وَيَسْكُنُ هَذَا الْمُتَكَارِي حَتَّى يَنْقَضِيَ أَجَلُ السُّكْنَى، ثُمَّ يَسْتَحِقُّهَا مُسْتَحِقٌّ بَعْدَ انْقِضَاءِ السُّكْنَى، فَيَكُونُ الْكِرَاءُ لِلَّذِي اشْتَرَى الدَّارَ وَأَكْرَاهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا لِلدَّارِ. فَالْأَرْضُ إذَا ذَهَبَ إبَّانُ الْحَرْثِ، بِمَنْزِلَةِ مَا وَصَفْتُ لَكَ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ. وَالدَّارُ إذَا انْقَضَى أَجَلُ السُّكْنَى فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ، كَذَا سَمِعْتُ إذَا لَمْ يَكُنْ غَاصِبًا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ هَذَا الَّذِي أَكْرَى، لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا فَأَكْرَاهَا وَزَرَعَهَا الْمُتَكَارِي، فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّهَا فِي إبَّانِ الْحَرْثِ؟

قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ غَصَبَهَا؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ زَرَعَ عَلَى وَجْهِ شُبْهَةٍ فَلَيْسَ لِمَنْ اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ أَنْ يَقْلَعَ زَرْعَهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ إنَّمَا وَرِثَ الْأَرْضَ عَنْ أَخِيهِ، فَأَتَى رَجُلٌ فَادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ أَخِيهِ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ - وَذَلِكَ فِي إبَّانِ الْحَرْثِ - أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ؟

قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ وَلَكِنْ لَهُ الْكِرَاءُ.

قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى إبَّانُ الْحَرْثِ فَاسْتَحَقَّ الْأَرْضَ، لِمَنْ يَكُونُ الْكِرَاءُ؟

قَالَ: أَمَّا فِي الْمُوَارَثَةِ، فَأَرَى الْكِرَاءَ لِلَّذِي اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ كَانَ فِي إبَّانِ الْحَرْثِ أَوْ غَيْرِ إبَّانِ الْحَرْثِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا إنَّمَا كَانَ مِنْ الَّذِي اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَوْ غَرِقَتْ أَوْ كَانَتْ دَارًا فَانْهَدَمَتْ أَوْ احْتَرَقَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا هَذَا الَّذِي كَانَتْ فِي يَدَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ ضَمَانُهَا مِنْ الْغَائِبِ الَّذِي اسْتَحَقَّهَا. فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ الْكِرَاءُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا كَانَ فِي مِلْكِهِ. وَإِنَّ الَّذِي اشْتَرَى الدَّارَ أَوْ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِغَيْرِ وِرَاثَةٍ دَخَلَ مَعَهُ، فَإِنَّمَا لَهُ الْكِرَاءُ مِنْ يَوْمِ اسْتَحَقَّهَا عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ، وَلَا كِرَاءَ لَهُ فِيمَا مَضَى. وَإِنَّمَا الَّذِي يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْكِرَاءِ وَالْغَلَّةِ، الَّذِي يَدْخُلُ بِسَبَبٍ مَعَ مَنْ كَانَتْ فِي يَدَيْهِ، يَكُونُ هُوَ وَأَبُوهُمْ وَرِثُوا دَارًا. فَأَمَّا أَنْ يَسْتَحِقَّهَا بِوِرَاثَتِهِ وَقَدْ كَانَتْ فِي يَدَيْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ وِرَاثَةٍ، فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا مِنْ يَوْمِ اسْتَحَقَّ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ غَاصِبًا، وَهُوَ الَّذِي سَمِعْتُ وَاسْتَحْسَنْتُ وَفُسِّرَ لِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>