وإني وإيَّاك الحياةُ وجِسْمُها ... كِلانَا على الإخلاصِ مُتَّفقانِ
عجبتُ لوُدٍ بيننا مَعْ تبايُنٍ ... فإنِّيَ قَيْسِيٌّ وأنتَ يَماني
رفيقان شَتَّى ألَّفَ الدهرُ بيننا ... وقد يلْتقِي الشّتَّى فيأْتلِفانِ
وقد أهدى إلي قصيدةً، يمدح بها كتابي هذا، وأنشدنيها ونحن في السردارية، المنتزه البهج، صحبة جماعةٍ صقلوا العشرة بطبعهم الرهج.
وهي قوله:
لشمسِ المَعالي والبلاغةِ إشْراقُ ... وللنظمِ من بعد التَّقَيُّدِ إطْلاقُ
فريحانةُ المولى الخفاجِيّ عَرْفُها ... برَوْضٍ من الآدابِ والعلمِ عَبَّاقُ
ويا حبَّذا ذيلٌ كساها مُحَمَّدٌ ... سُلالةُ فضل اللهِ مَن هُوَ سَبَّاقُ
وذلك فضلُ اللهِ يُؤْتيه مَن يشَا ... وحَسْبُك أن الفضلَ والعلمَ أرْزاقُ
لقد فاق مولانا الأمينُ مُؤرِّخاً ... لقومٍ لما تحْوِي التواريخُ قد فاقُوا
بأوْراقِهِ زِينَتْ قُدودُ عُلاهُمُ ... كما زانتِ الأغْصانَ في الرَّوضِ أوراقُ
وأحْكَم في تأْليفهِ مُتفنِّناً ... وأبْدَعَ حتى قيل ذلك إغْراقُ
بإغْراقِه قد أصبح الغيثُ غارِقاً ... وللغيثِ إرْعادٌ هناك وإبْراقُ
وفي بحرِه غار العُبابُ حَقارةً ... وهيهات للْبرقِ اليمانِيِّ إلْحاقُ
فإن يُغْلِق الفتحُ بنُ خاقانَ بابَه ... فحُقَّ له من بعد ذلك إغْلاقُ
به فارقتْ تلك القلائد جِيدَها ... وليس إلى ذكرِ الخريدةِ مشتاقُ
ودَعْ عنك آدابَ السُّلافة بعده ... فليس لكاساتِ السلافة إدْهاقُ
يحِقُّ لهذا الذيلِ إن قال تائِهاً ... أنا الرَّأْسُ والريحانة الخُفُّ والسَّاقُ
كأن رِياضاً ما حَواه قِمَطْرُه ... فعَنْ طَيِّه نَشْرُ اللطائفِ خَفّاقُ
كأن معانيه معانٍ لمَعْبَدٍ ... يُجاوبُه مهما ترنَّم إسْحاقُ
كأن به هاروتَ ينْفُث سِحْرَهُ ... فلِلْقَوْمِ إصْغاءٌ إليه وإطْراقُ
كأن ذوِي الآدابِ عند سَماعِه ... وقد ثمِلُوا صَرْعَى مُدامٍ فما فاقُوا
كأن التَّواريَ والجِناسَ خرائدٌ ... تُشاهدها في موقفِ الأُنْسِ عُشَّاقُ
كأن سَوادَ الحِبْرِ فوقَ بياضِه ... وقد زانَه سحرُ البلاغةِ أحْداقُ
طَلاسِمُ أفكارٍ تخُطُّ لناظرٍ ... دَيابِيجُها حولَ التَّراجِم أَوْفاقُ
تَداوَى به الأذْهانُ من داءِ عِيِّها ... وتلك لداءِ العِيِّ طِبٌّ ودِرْياقُ
فقُلْ للأمين الأفضلِ السَّيِّد الذِي ... له في العُلَى قَدْران خَلْقٌ وأخْلاقُ
لكَ اللهُ قد جُزْتَ الكواكبَ راقِياً ... وهل مجدُك السَّامِي لقَوْلِيَ مِصْداقُ
وأطْلَعْتَ للآدابِ شمساً بنُورِها ... تبلّج من ليلِ الجَهالةِ آفاقُ
وضَعْتَ لأبْناءِ الزمانِ قلائداً ... تُطوَّق منها للمفاخِرِ أعْناقُ
ولا عَجَبٌ أن يُظهِر الفضلَ نَجْلُه ... وأن يقْذِفَ الدُّرَّ الذي فيهِ دَفَّاقُ
ودونَك منِّي عن ذوِي الشِّعْرِ مِدْحةً ... سَبائكُها للجدِّ تاجٌ وأطْواقُ
لقد زَانَ نَوْعُ الافْتتانِ نِظامَها ... وما فاتَها مَعْ رِقَّةِ اللفظِ إفْلاقُ
أجَزْناك مَدْحاً يا فريدَ زمانِنا ... ليُقْضَى به حَقٌّ ويُحفَظَ مِيثاقُ
وصلَّى على المُختارِ ما هبَّتِ الصَّبا ... وما باكَر الرَّوضَ المُفَوَّفَ غَيْداقُ
وكتبت إليه أمدحه بقولي:
بين النُّهُودِ ومَعْقِد البَنْدِ ... طعناتُ صائلةِ القَنا المُلْدِ
فاحْذَرْ هنالك من رَنَا مُقَلٍ ... يصْرَعْنَ مَن يُبْصِرْنَ عن عَمْدِ