للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

كَلَامُ مَنْ ظَنَّ التَّمَامَ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ العلماء من السلف والخلف وهو قول بن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَأَخِيهِ عُرْوَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمِيعُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ

وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ التَّكَلُّمُ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا يبطلها مستدلين بحديث بن مَسْعُودٍ وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّكَلُّمِ فِي الصَّلَاةِ وَقَالُوا هُمَا نَاسِخَانِ لهذا الحديث

وأجيب بأن حديث بن مَسْعُودٍ كَانَ بِمَكَّةَ مُتَقَدِّمًا عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ بأعوام والمتقدم لا ينسح الْمُتَأَخِّرَ وَبِأَنَّ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَحَدِيثَ بن مَسْعُودٍ أَيْضًا عُمُومِيَّانِ وَهَذَا الْحَدِيثُ خَاصٌّ بِمَنْ تَكَلَّمَ ظَانًّا لِتَمَامِ صَلَاتِهِ فَيَخُصُّ بِهِ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتَجْتَمِعُ الْأَدِلَّةُ مِنْ غَيْرِ إِبْطَالٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا وَيَدُلُّ الْحَدِيثُ أَيْضًا أَنَّ الْكَلَامَ عَمْدًا لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا كَمَا فِي كَلَامِ ذِي الْيَدَيْنِ

وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ فَقَالُوا وَفِي رِوَايَةِ الْمُؤَلِّفِ كَمَا سَيَأْتِي فَيُقَالُ يُرِيدُ الصَّحَابَةَ نَعَمْ فَإِنَّهُ كَلَامٌ عَمْدٌ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا تَكَلَّمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الِاسْتِفْسَارِ وَالسُّؤَالِ عِنْدَ الشَّكِّ وَإِجَابَةِ الْمَأْمُومِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ

وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ مُعْتَقِدًا لِلتَّمَامِ وَتَكَلَّمَ الصَّحَابَةُ مُعْتَقِدِينَ لِلنَّسْخِ وَظَنُّوا حِينَئِذٍ التَّمَامَ

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَزْمَ بِاعْتِقَادِهِمُ التَّمَامَ مَحَلُّ نَظَرٍ بَلْ فِيهِمْ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالنِّسْيَانِ وَهُوَ ذُو الْيَدَيْنِ نَعَمْ سَرَعَانُ النَّاسِ اعْتَقَدُوا الْقَصْرَ وَلَا يَلْزَمُ اعْتِقَادُ الْجَمِيعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا عُذْرَ عَنِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ لِمَنْ يَتَّفِقُ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ

وَمَا أَحْسَنَ كَلَامَ صَاحِبِ الْمَنَارِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ الْمَهْدِيِّ وَدَعْوَاهُ نَسْخَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ رَدَّهُ بِمَا رَدَدْنَاهُ ثُمَّ قَالَ وَأَنَا أَقُولُ أَرْجُو اللَّهَ لِلْعَبْدِ إِذَا لَقِيَ اللَّهَ عَامِلًا لِذَلِكَ وَيُثَابُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ وَأَخَافُ عَلَى الْمُتَكَلِّفِينَ وَعَلَى الْمُجْبِرِينَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ لِلِاسْتِئْنَافِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَحْوَطَ كَمَا تَرَى لِأَنَّ الْخُرُوجَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ممنوع وإبطال العمل

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ إِذَا وَقَعَتْ سَهْوًا أَوْ مَعَ ظَنِّ التَّمَامِ لَا تَفْسُدُ بِهَا الصَّلَاةُ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَفِي أُخْرَى يَجُرُّ رِدَاءَهُ مُغْضَبًا وَكَذَلِكَ خُرُوجُ سَرَعَانُ النَّاسِ فَإِنَّهَا أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ قَطْعًا وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الشَّافِعِيُّ

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ طَالَ زَمَنُ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ رَبِيعَةَ وَنُسِبَ إِلَى مَالِكٍ وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>