من ذا يرد نزارا عند نخوتها ... أم من يدافع عن جرثومة اليمن
١٣- أبو هفان قال: حدثني الحسين بن أبي المنذر قال: اجتمعت مرة أنا وأبو نواس وعدة من أصحابنا عند عبيد بن أبي المنذر فشربنا يومنا وبتنا عنده ليلتنا، فقال لنا أبو نواس: هل لكم في أن ندلج إلى الكرخ فإن بها حانة لم أر مثلها قط في نظافتها وطيبها وحسن شرابها وأنا أشتهي أن أسكر فيها وأقيم بها أياما فساعدوني، قلنا: امض حيث شئت فإنا معك، فأدلجنا في نصف الليل فوافينا الموضع الذي وصف لنا على ما شاكل نعته واافق صفته فقرب لتاالشراب من ساعتنا ثم أصبحنا فوصلنا نهارنا شربا، ومع أبي نواس غلام قد أفسده على أبيه وغيبه عنه غير مرة وهو كان ساقينا، وأشرفنا حين أصبحنا على زهر ورياض وأشجار وأنهار وكروم لم أر مثله قط نزهة وحسنا، فذكرنا حسن ذلك الموضع الجنة وما أعد الله فيها لأهلها وعظم خطرها فذكرنا الذنوب التي تحجب عنها وتمنع منها وتعرض دونها وان ذلك بقدر مقدور وتفاوضنا ساعة في شيء من الإسلام وما نرجو من العفو والفوز وعظيم منة الله تعالى علينا في الهداية، وأبو نواس ساكت، فقلنا: مالك لا تتكلم؟ فالتفت إلي الذي أنشأ الكلام فقال:
يا ناظرا في الدين مال أمر ... لاقدر صح ولا جبر
ما صح عندي من جميع الذي ... تذكر إلا الموت والقبر
قال فامتعضنا من ذلك وأنكرناه واستفظعناه وقلنا: والله ما نقرك على هذا فقد والله أفرطت وجاوزت المقدار وصرت إلى أن تكذب بالمعاد وإنا لنخاف أن ينزل الله بنا قارعة أو تصيبنا جائحة إذا رضينا بقولك وأصغينا إليك ولم نعدلك، فإن رجعت وإلا هجرناك وفارقناك ويحك قد شخت وجاوزت الكمال وما أحد أبصر منك بتصاريف الكلام والأديان، وغير ذلك من فنون العلم، فقد كان ينبغي لك أن تستسمج هذا القول وتعافه. فقال: لا والله ما أدين غير الإسلام ولكن ربما نزا بي المجون حتى أتناول العظائم، وما أعلم أني مسؤول عنه ومعذب عليه ثم أنشأ:
أية نار قدح القادح ... وأي جد بلغ المازح
لله در الشيب من واعظ ... وناصح لو قبل الناصح
يأبى الفتى إلا اتباع الهوى ... ومسلك الحق له واضح
فاعمد بعينيك إلى نسوة ... مهورهن العمل الصالح
لا يجتلي الحوراء من خدرها ... إلا الذي ميزانه راجح
من اتقى الله فذاك الذي ... سيق إليه المتجر الرابح
فاغد فما في الدين أغلوطة ... ورح لما أنت له رائح
ثم قال: هذا عمل إبليس أجرى هذا الكلام ليعارض فرحنا ويقدح في سرورنا بما يكدره، خذوا بنا في شأننا وألغوا هذا. فلم نزل نشرب هناك أياما، مرت في متشرب الحنة ومرة فيما يليها من البساتين والمتنزهات، فلما أزمعنا الانصراف بعد أيام كثيرة قال: امهلوا بنا قليلا ثم أنشأ يقول:
يارب مجلس فتيان لهوت به ... والليل مستخلس في ثوب ظلماء
نشتف صافية من صدر خابية ... تغشي عيون نداماها بلألاء
كأن منظرها والماء يقرعها ... ديباج غانية أو رقم وشاء
تستن في مرح من كف مصطبح ... من خمر عانة أو من خمر سوراء
كأن قهقهة الإبريق بينهما ... رجع المزامير أو ترجيع فأفاء
حتى إذا مزجت طارت جنادبها ... للمزج وامتعضت من سورة الماء
سألت تاجرها: كم ذا لعاصرها؟ ... فقال: قصر عن هاذاك إحصائي
نبيت أن أبا جدي توارثها ... من ذخر آدم أو من ذخر حواء
ما زال يمطل من ينتاب حانته ... حتى أتتني وكانت ذخر موتائي
ونحن وسط بساتين وتنفحنا ... ريح البنفسج مع ريح الخزاماء
يسعى بها خنث في لهوه دمث ... يستأمر العين في مسترجع الرائي
مقرطق وافر الأرداف ذو خنث ... إن ماس في راحتيه وشم حناء
قد رطل الشعر واوات ورددها ... فوق الجبين ورد الصدغ بالفاء
إني لأشرب من عينيه صافية ... صرفا وأشرب أخرى من ندامائي
عيناه تقسم ماء في مذاهبها ... وربما نفعت من سروة الداء
ولائم لامني فيه فقلت له ... إني وعيشك مشغول بمولائي
١٤- أبو هفان قال: حدثني سليمان بن أبي سهل قال: