فجوزها لساقيها أجزها فلم يكن ... ليأبى أمير المؤمنين وأشربا
إذا عب منها شارب القوم خلته ... يقبل في داج من الليل كوكبا
ترى حيثما كانت من البيت مشرقا ... وما لم تكن فيه من البيت مغربا
يدور بها ساق أغن ترى له ... على مستدار الأذن صدغا معقربا
سقاهم ومناني بعينيه منية ... فكانت إلى قلبي ألذ وأطيبا
فقال له الأمين: ويحك، لم ينج منك على حال يا غلام، اسقه ثم خلع عليه عند انصرافه وأمر له بجائزة.
٨- أبو هفان قال: خبرت أن أبا نواس قدم عليه أقاربه فقالوا له: يا هذا إنه قد نفذ عمرك وتصرمت أيامك وساء عملك واقترب أجلك فلو تزوجت بعض أهلك، وما زالوا به حتى زوجوه قرابة له وكانت جميلة بارعة، فلما دخل بها أعرض عنها وخرج على غلمان كانوا يتعهدونه فدعاهم وألبسهم الأزر المفرجة والخلوقية، وخلا بهم يومهم ذلك فلما أمسى طلقها وأنشد:
لا أبتغي بالطمث مطمومة ... ولا أبيع الظبي بالأرنب
لا أدخل الجحر يدي طائعا ... أخشى من الحية والعقرب
٩- أبو هفان: أخبرني الجماز قال: قال لي الجند يسابوري: كنت أمضي مع أبي نواس إلى باب أسماء بنت المهدي وذلك أن الشعراء كانوا يجتمعون ببابها، فقال لي: امض بنا لنتعرف خبرا إن كان، فمضيت معه فإذا نحن بجارية قد طلعت من القصر عليها قباء ومنطقة وفي رجليها نعل، مهضومة، كاعب، ناهد، فأعجبته فكان يناغيها ويغازلها ويعبث بها، وينشدها أشعارا يعرض بها فيها ويعلمها أنه يحبها، وكان يجاذبها إذا خرجت فلا ينكر عليه ذلك أحد لعبثه بالناس جميعا، ولأنه لم يكن يعتد بالنساء ولا يعرف بعشقهن. فقال يوما آخر: امض بنا إلى باب أسماء فمضيت معه، فإذا نحن بالجارية قد خرجت عليها قباء وشي منسوج بالذهب، وعلى رأسها قلنسوة إبريسمي رقيقة منسوجة بالذهب، وعليها منطقة بزنار أخضر معرقة بالذهب قد غرقت في خصرها فما تكاد تبين إلا معاليقها من انهضامه. وفي رجليها نعل مدبجة الدروز، وبيدها عود خيزران ملون، فلما طلعت علينا صرت أنا وكل من حضر هناك ننظر إليها وإلى براعتها وجمالها، فالتفت إلي أبو نواس وقال: مثل هذه فاشتر يا نخاس، فقلت: هذه ما تصلح إلا للخليفة، ولا تصلح لمن دونه. فلبثت عندنا ساعة تمزح وتمرح وتتثنى في مشيتها، ثم وقفت في موضع قريب منا وتسمع كلامنا. ونظرت إلى أبي نواس نظرا دل على أن في قلبها شيئا فأنشد بديها:
لقد صبحت بالخير عين تصبحت ... بوجهك يا مكنون في كل شارق
مقرطفة ما شانها سحب ذيلها ... ولا نازعتها الريح فضل البنائق
تشارك في الصنع النساء وسلمت ... لمه صنوف الحلي غير المناطق
ومطمومة لم تتصل بذؤابة ... ولم تعتقد بالتاج فوق المفارق
كأن مخط الصدغ في صحن خدها ... بقية أنقاس بإصبع لائق
غذته بماء المسك حتى جرى لها ... إلى مستقر بين أذن وعاتق
غلام وإلا فالغلام شبيهها ... وريحان دنيا لذة للمعانق
خلابة زنديق ولحظة قينة ... بكل الذي تهوى ومنية عاشق
قال: فلما سمعت الشعر ضحكت وولت فإذا أحسن مؤخرا، فانصرفنا وفي قلبه عليها كمد قاتل، فلما كان بعد أيام بكر إلي أبو نواس وقال لي: أتدري ما كنت فيه أمس؟ قلت: لا، قال: كنت أمس بلا نديم إذ دخلت علي وصيفة أسماء من غير إذن فقالت: تقبل الطفيلية؟ قلت لها: يا سيدتي الحمد لله الذي ألان قلبك لعبدك ومن بقربك وسهل المتعذر من لقائك. فخبريني كيف خلصت إلي، فقالت: وجهت في رسالة لا يحملها غيري فكنت أهم إلي منها. فوضعت الشراب فتأبت وقالت: أبو نواس يكون عنده الأحمر صرفا؟ فقلت لها: مطبوخ صحيح وإن كان فيه إثم فأنا أتحمله عنك. قال: فشربت حتى طابت نفسها وعبثت بها فريعت وكانت بكرا فقالت: لا والله ما مسني رجل قط ولولا ما خلبتني به من ظرفك وأدبك وحلاوة شعرك ما فكرت في رجل أبدا، فحملت عليها في الشراب حتى مكنتني من نفسها فلما رأيت سعتها جعلتها غلاما، ولما انصرفت جئتك مبشرا وفي القلب منها مثل حد السنان، فقلت له: صف هذا في أبيات من شعرك. فقال: قد فعلت، وأنشدني:
وناهدة الثديين من خدم القصر ... مزرفنة الأصداغ مطمومة الشعر
غلامية في زيها برمكية ... مناطقها قد غبن في رقة الخصر