للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحال. انتهى.

قال شيخنا: وأيضًا فلم تجر عادتهم باتِّخاذ خِباء كبير يجمعهم، بل كانوا يتفرَّقون في ظلال الشجر، وليس هناك كنٌّ يمشون فيه، فليس في سياق الحديث ما يخالف ما قاله الشافعي، وغايته إنَّه استنبط من النصِّ العامِّ - وهو الأمر بالإبراد - معنى يخصِّصه، وذلك جائز على الأصحِّ في الأصول، لكنَّه مبني على أنَّ العلَّة في ذلك تأذِّيهم بالحرِّ في طريقهم، وللمتمسِّك بعمومه أن يقول: العلَّة فيه تأذِّيهم بحرِّ الرمضاء في جباههم حالة السجود، ويؤيِّده حديث أنس: ((كنَّا إذا صلَّينا خلفَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ بالظَّهائرِ سجدنا على ثيابِنا اتِّقاءَ الحرِّ)) وسيأتي قريبًا. والجواب عن ذلك: أنَّ العلَّة الأولى أظهر، فإن الإبراد لا يزيل الحرَّ عن الأرض، وذهب بعضهم إلى أنَّ تعجيل الصَّلاة أفضل مطلقًا، وقالوا: معنى (أَبْرِدُوا) : صلُّوا في أوَّل الوقت، أخذًا من برد النَّهار وهو أوَّله، وهو تأويل بعيد، ويرده قوله: (فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) إذ التعليل بذلك يدلُّ على أنَّ المطلوب التأخير، وحديث أبي ذرٍّ الآتي صريح في ذلك حيث قال: (انتظر)، والحامل لهم على ذلك حديث خباب ((شَكَوْنَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمِ يُشْكِنَا)) أي لم يزل شكوانا، وهو حديث صحيح رواه مسلم، وتمسَّكوا أيضًا بالأحاديث الدالة على فضيلة أوَّل الوقت، وبأنَّ الصَّلاة حينئذ أكثر مشقَّة فتكون أفضل.

والجواب عن حديث خَبَّاب: إنَّه محمول على أنَّهم طلبوا تأخيرًا زائدًا عن وقت الإبراد، وهو زوال حرِّ الرمضاء، وذلك قد يستلزم خروج الوقت، فلذلك لم يجبهم، أو هو منسوخ بأحاديث الإبراد؛ فإنها متأخِّرة عنه، واستدلَّ له الطَّحاوي بحديث المغيرة بن شُعْبَة قال: (كنَّا نصلِّي معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ الظُّهرَ بالهاجرةِ، ثمَّ قالَ لنا: أبردوا بالصَّلاة) الحديث، وهو حديث رجاله ثقات، رواه أحمد وابن ماجَهْ وصحَّحه ابن حبَّان، ونقل الخَلَّال عن أحمد إنَّه قال: هذا آخر الأمرين من رسول الله صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم، وجمع بعضهم بين الحديثين بأنَّ الإبراد رخصة والتعجيل أفضل، وهو قول من قال: إنَّه أمر إرشاد، وعكسه بعضهم فقال: الإبراد أفضل، وحديث خباب يدلُّ على الجواز.

والجواب عن أحاديث أوَّل الوقت: إنَّها عامَّة أو مطلقة، والأمر بالإبراد خاصٌّ، ولا التفات إلى من قال: التعجيل أكثر مشقَّة فيكون أفضل؛ لأنَّ الأفضليَّة لم تنحصر في الأشقِّ، بل قد يكون الأخفُّ أفضل كما في قصر الصَّلاة في السَّفر. انتهى.

قال العَيني: فإن قلت: ما القرينة الصارفة للأمر عن الوجوب وظاهر الكلام يقتضيه؟

قلت: لما كانت العلَّة فيه دفع المشقَّة عن المصلِّي لشدَّة الحرِّ، وكان ذلك للشفقة عليه فصار من باب النَّفع له، فلو كان للوجوب يصير عليه ويعود الأمر على موضعه بالنَّقض.

وقال شيخنا: وحديث خَبَّاب هو الصارف للأمر عن الوجوب، كذا قيل، وفيه نظر؛ لأن ظاهره المنع من التأخير، وقيل: معنى قول خَبَّاب: (فَلَمْ يُشْكِنَا) أي لم يحوجنا إلى شكوى بل أذَّن لنا في الإبراد. حُكِي عن ثعلب، ويردُّه أنَّ في الخبر زيادة رواها ابن المنذر بعد قوله: (فَلَمْ يُشْكِنَا) وقال: ((إِذَا زَالَتِ الشَّمس فَصَلُّوا)). انتهى.

وفي «التَّوضيح» :

<<  <   >  >>