للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

خلف المتنفِّل من جهة أنَّ الملائكة ليسوا مكلَّفين بمثل ما كلِّف به الإنس، قال العَيني: هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأنَّ جبريل كان مكلَّفًا بتبليغ تلك الصَّلوات ولم يكن متنفِّلًا، فتكون صلاةَ مفترضٍ خلف مفترض. وقال عياض: يحتمل ألَّا تكون تلك الصَّلاة كانت واجبة على النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم حينئذ، ورُدَّ بأنها كانت صبيحة ليلة فرض الصَّلاة، واعترض عليه باحتمال أنَّ الوجوب عليه كان معلَّقًا بالبيان، فلم يتحقق الوجوب إلَّا بعد تلك الصَّلاة.

وفيه جواز البنيان، ولكن ينبغي الاقتصاد فيه، ألا ترى أنَّ جدار الحجرة كان قصيرًا؟! قال الحسن: كنت أدخل في بيوت النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا محتلم وأنا أسقفها بيدي.

وفيه ما استدلَّ به من يرى بجواز الائتمام بمن يأتم بغيره، والجواب عنه: أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم كان مُبَلِّغًا فقط كما في قصَّة أبي بكر في صلاته خلف النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم وصلاة النَّاس خلفه، وسيأتي مزيد الكلام فيه في أبواب الإمامة.

وفيه فضيلة عُمَر بن عبد العزيز، وفيه ما قال ابن بطَّال: فيه دليل على ضعف الحديث الوارد: ((أنَّ جبريلَ عليهِ السَّلام أمَّ بالنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم في يومَين لوقتَين مختَلفين لكُلِّ صلاةٍ)) قال: لأنَّه لو كان صحيحًا لم ينكر عُرْوَة على عُمَر صلاتَه في آخر الوقت محتجًّا بصلاة جبريل، مع أنَّ جبريل قد صلَّى في اليوم الثَّاني في آخر الوقت وقال: ((الوقتُ ما بينَ هَذَين)) وأجيب عن هذا: بأنه يحتمل أن تكون صلاة عُمَر كانت خرجت عن وقت الاختيار، وهو مصير ظلِّ الشيء مثله، لا عن وقت الجواز وهو مغيب الشَّمس، فحينئذ يتَّجه إنكارُ عُرْوَةَ، ولا يلزم منه ضعف الحديث، أو يكون إنكار عُرْوَة لأجل مخالفة عُمَر ما واظب عليه النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم وهو الصَّلاة في أوَّل الوقت، ورأى أنَّ الصَّلاة بعد ذلك إنَّما هي لبيان الجواز، فلا يلزم منه ضعف الحديث أيضًا، وفي قوله: (مَا وَاظَبَ عَليْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَهوَ الصَّلاة فِي أَوَّلِ الوَقْتِ) نظر لا يخفى قاله العَيني، وقال ابن المنيِّر: قد يتعلق به من يُجَوِّز صلاة مفترض بفرض خلف مفترض بفرض آخر. قال شيخنا: كذا قال، وهو مسلَّم له في صورة المؤدَّاة مثلًا خلف المؤدَّاة، لا في صورة الظهر خلف العصر مثلًا. انتهى.

وفيه قبول خبر الواحد المثبِت، واستدلَّ عياض على جواز الاحتجاج بمرسَل الثقة؛ لصنع عُرْوَة حين احتجَّ على عمر، وإنما راجعه عُمَر ليثبته فيه لا لكونه لم يرضَ به مرسَلًا، فإن قلت: ذكرُ حديث عائشة بعد ذكر حديث أبي مسعود ما وجهه؟ قال العَيني: لأن عُرْوَة احتجَّ بحديث عائشة في كونه عليه السَّلام كان يصلِّي العصر في أوَّل الوقت، وحديث أبي مسعود يشعر بأنَّ أصل بيان الأوقات كان بتعليم جبريل عليه السَّلام.

قال العَيني: فإن قلت: ما معنى قولها: (قَبلَ أَنْ تَظهَرَ) والشمسُ ظاهرة على كلِّ شيء من أوَّل طلوعها إلى غروبها؟ قلت: إنَّها أرادت: والفيء في حجرتها قبل أن تعلو على البيوت، فكَنَّتْ بالشمس عن الفيء؛ لأن الفيء عن الشَّمس كما سُمِّي المطر سماء لأنَّه من السَّماء ينزل، ألا ترى جاء في رواية:

<<  <   >  >>