به بيان الأعمال لا بيان الأوقات. هذا الحديث أخرجه البخاري في الإجارة أيضًا.
قوله:(مَثَلُ المُسْلِمِيْنَ) المَثل -بفتح الميم- في الأصل بمعنى المِثل -بكسر الميم- وهو النظير، يقال: مِثل ومَثَل ومَثيل كشِبه وشَبَه وشبيه، ثمَّ قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده مِثل، ولم يضربوا مثلًا إلَّا لقول فيه غرابة، وهذا تشبيه المركب بالمركب، فالمشبه والمشبه به هما المجموعان الحاصلان من الطرفين، وإلا كان القياس أن يقال: كمثل أقوام استأجرهم رجل، ودخول كاف التشبيه على المشبه به في تشبيه المفرد بالمفرد، وهذا ليس كذلك.
قوله:(لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجرِكَ) الخطاب إنَّما هو للمستأجر، والمراد منه لازم هذا القول، وهو ترك العمل.
قوله:(فَقَالَ: أَكْمِلُوا) كذا للأكثر بهمزة القطع، وبالكاف من الإكمال، وكذا وَقَعَ في رواية البخاري في الإجارة، ووَقَعَ هنا في رواية الكُشْمِيهَني: <اعْمَلُوا> بهمزة الوصل وبالعين من العمل.
قوله:(حِيْنَ) منصوب بأنه خبر كان؛ أي كان الزَّمان زمان الصلاة، ويجوز أن يكون مرفوعًا بأنَّه اسم كان وتكون تامة.
وحاصل المعنى من قوله:(وَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي أَجْرِكَ...) إلى آخره، لا حاجة في أجرتك الَّتي شرطت لنا وما عملنا باطل، فقال لهم: لا تفعلوا، اعملوا بقيَّة يومكم وخذوا أجرتكم كاملًا، فأبوا وتركوا ذلك كلَّه، فاستأجر قومًا آخرين فقال لهم: اعملوا بقيَّة يومكم ولكم الذي شرطت لهؤلاء من الأجر، فعملوا حتَّى حان العصر قالوا: لك ما عملنا، باطل ذلك الأجر الذي جعلت لنا، لا حاجة لنا فيه، فقال لهم: اكملوا بقيَّة عملكم، فإنما بقي من النَّهار شيء يسير وخذوا أجركم، فأبوا عليه فاستأجر قومًا آخرين، فعملوا بقيَّة يومهم، حتَّى إذا غابت الشَّمس واستكملوا أجر الفريقين كلَّه، مثل اليهود والنصارى تركوا ما أمرهم الله عز وجل ومثل المسلمين الذين قبلوا هدى الله وما جاء به رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.
والمقصود من هذا الحديث: ضرب المثل للنَّاس الذين شرع لهم دين موسى عليه السَّلام ليعملوا الدهر كلَّه بما يأمرهم به وينهاهم، إلى أن بعث الله عيسى عليه السَّلام فأمرهم باتباعه، فأبوا وتبرؤوا مما جاء به، وعمل آخرون بما جاء به عيسى على أن يعملوا بما يؤمرون به باقي الدَّهر، فعملوا حتَّى بُعِث سيِّدنا رسول الله صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم، فدعاهم إلى العمل بما جاء به فأبوا وعصوا، فجاء الله تعالى بالمسلمين فعملوا بما جاء به وتكملوا إلى قيام السَّاعة، فلهم أجر من عمل الدَّهر كلَّه بعبادة الله تعالى كإتمام النَّهار الذي استؤجر عليه كلَّه أوَّل طبقة.
وفي حديث ابن عمر: قدَّر لهم مدَّة أعمال اليهود، ولهم أجرهم إلى أن نسخ الله تعالى شريعتهم بعيسى عليه السَّلام، وقال عند مبعث عيسى عليه السَّلام: من يعمل إلى مدَّة هذا الشَّرع وله أجر قيراط؟ فعملت النَّصارى حتَّى نسخ الله تعالى ذلك بمحمَّد صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم، ثمَّ قال متفضلًا على المسلمين: من يعمل بقيَّة النَّهار إلى اللَّيل وله قيراطان؟ فقال المسلمون: نحن نعمل إلى انقطاع الدَّهر، فمن عمل من اليهود إلى أن آمن بعيسى عليه السَّلام وعمل بشريعته له أجره مرَّتين، وكذلك النَّصارى إذا آمنوا بمحمَّد صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم كما جاء في الحديث:((وَرَجُلٌ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِي يُؤْتَى أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ)).