فقلت: وين أبياتهم؟ قال: هم قريب في ذروة هذا الجبل، وفي كل ليلة عند نوم العيون وهدو من الليل تنسل من الحي سراً بحيث لا يشعر بها أحد فأقضي منها بالحديث وطراً وتقضي هي كذلك، وها أنا مقيم كذلك على هذا الحال أتسلى بها ساعة من الليل ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، أو يأتيني الأمر على رغم الحاسدين، أو يحكم الله لي، وهو خير الحاكمين.
قال جميل: فلما حدثني الغلام يا أمير المؤمنين، غمني أمره وصرت من ذلك في حيرة لما أصابني عليه من الغيرة، فقلت له: يا ابن العم، هل لك أن أدلك على حيلة أشير بها عليك، وفيها إن شاء الله عين الصلاح وسبيل الرشد والنجاح، وبها يفرج الله عليك الذي تخشاه.
فقال لي: قل يا ابن العم.
فقلت له: إذا كان الليل وجاءت الجارية فاطرحها على ناقتي، فنها سريعة الرواح، واركب أنت جوادك، وأنا أركب بعض هذه النوق وأسير بكم الليلة جميعها. فما يصبح الصباح إلا وقد قطعت بكم براري وقفاراً وتكن قد بلغت مرادك وظفرت بمحبوبة قلبك، وأرض الله واسعة فضاؤها، وأنا والله مساعدك ما حييت بروحي ومالي وسيفي.
فلما سمع ذلك قال لي: يا ابن العم، حتى أشاورها في ذلك، فإنها عاقلة لبيبة بصيرة بالأمور.
قال جميل: فلما جن الليل وحان وقت مجيئها وهو منتظر الوقت لمعلوم فأبطأت عن عادتها فرأيت الفتى، وقد خرج من باب الخباء وفتح فاه وجعل يتنسم هبوب الريح التي تهب من نحوها وأنشد يقول:
ريح الصبا تهدي إلي نسيماً ... من بلدةٍ فيها الحبيب مقيم
يا ريح فيك من الحبيب علاقةٌ ... أفتعلمين متى يكون قدوم
ثم دخل الخباء وقعد ساعة زمانية، وهو يبكي، ثم قال لي: يا ابن العم، إن لبنت عمي في هذه الليلة نبأ وقد حدث لها حادث وعاقها عني عائق، ثم قال ل: كن مكانك حتى آتيك بالخبر. ثم أخذ سيفه وحجفته ثم غاب عني ساعة من الليل ثم أقبل وعلى يديه شيء يحمله ثم صاح إلي فأسرعت إليه. فقال: أتدري يا ابن المم ما الخبر؟ فقلت: لا والله.