للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كيف جعل جزاءهم في هذه السورة الغُرَف، وهي المنازلُ العالية في الجنة! لمَّا كانت الإمامة في الدين من الرُّتَب العالية، بل من أعلى مرتبة يعطاها العبدُ في الدنيا، كان جزاؤه عليها الغرفة العالية في الجنة.

وهذا بخلاف طلب الرياسة، فإنَّ طلَّابها يسعَون في تحصيلها لينالوا بها أغراضهم من العلوِّ في الأرض، وتعبُّدِ القلوب لهم، وميلِها إليهم، ومساعدتِهم لهم على جميع أغراضهم؛ مع كونهم عالين عليهم قاهرين لهم. فترتَّب على هذا الطلب من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله، من البغي والحسد والطغيان والحقد والظلم والفتنة، والحميَّةِ للنفس [١٦٨ أ] دون حقِّ الله، وتعظيمِ مَن حقّره الله، واحتقارِ مَن أكرمه الله. ولا تتمُّ الرياسة الدنيوية إلا بذلك، ولا تُنال إلا به وبأضعافه من المفاسد.

والرؤساءُ في عمًى عن هذا، فإذا كُشِف الغطاء تبيَّن لهم فسادُ ما كانوا عليه، ولاسيَّما إذا حُشروا في صور الذرِّ يطؤهم أهلُ الموقف (١) بأرجلهم إهانةً لهم وتحقيرًا وتصغيرًا، كما صغَّروا أمر الله وحقَّروا عباده.

فصل

والفرقُ بين الحبِّ في الله والحبِّ مع الله. وهذا من أهمِّ الفروق، وكلُّ أحد محتاج بل مضطرٌّ إلى الفرق بين هذا وهذا. فالحبُّ في الله هو من كمالِ


(١) يشير إلى ما رواه البزَّار (كشف الأستار ــ ٤/ ١٥٥) عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يبعث الله يوم القيامة ناسًا في صور الذر، يطؤهم الناس بأقدامهم، فيقال: ما هؤلاء في صور الذر؟ فيقال: هؤلاء المتكبرون في الدنيا». قال الهيثمي في مجمع الزوائد (١٠/ ٦٠٤): وفيه القاسم بن عبد الله العمري، وهو متروك.