للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العبدُ الداعي إلى الله أن يكون في أعين الناس جليلًا، وفي قلوبهم مَهيبًا، وإليهم حبيبًا؛ وأن يكون فيهم مطاعًا، لكي يأتمُّوا به، ويقتفوا أثر الرسول على يده= لم يضرَّه ذلك، بل يُحمَد عليه؛ لأنه داعٍ إلى الله يُحِبُّ أن يطاع (١) ويعبَد ويوحَّد؛ فهو يحب ما يكون عونًا على ذلك موصلًا [١٦٧ ب] إليه.

ولهذا ذكر سبحانه عبادَه الذين اختصَّهم لنفسه، وأثنى عليهم في تنزيله، وأحسن جزاءهم يوم لقائه= فذكرهم بأحسنِ أعمالهم وأوصافهم، ثم قال: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: ٧٤]. فسألوه أن يُقِرَّ أعينَهم بطاعة أزواجهم وذرِّياتهم له سبحانه، وأن يَسُرَّ قلوبَهم باتباع المتقين له على طاعته وعبوديته. فإنَّ الإمامَ والمؤتمَّ متعاونان على الطاعة، فإنما سألوه ما يعاونون به المتقين على مرضاته وطاعته، وهو دعوتهم إلى الله بالإمامة في الدين التي أساسُها الصبر واليقين، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: ٢٤].

فسؤالهم أن يجعلهم أئمةً للمتقين هو سؤالُ أن يهديَهم ويوفِّقهم، ويمنَّ عليهم بالعلوم النافعة، والأعمالِ الصالحة ظاهرًا وباطنًا التي لا تتم الإمامة إلا بها.

وتأمَّلْ كيف نسبهم في هذه الآيات إلى اسمه الرحمن جلَّ جلالُه (٢)، ليعلم خلقه أن هذا إنما نالوه بفضلِ رحمته ومحضِ جُوده ومنَّته! وتأمَّلْ


(١) زاد في (ط) بعده: «ويحمد».
(٢) يعني قوله تعالى في سورة الفرقان: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ}.