للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علم السادة، فقيل: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}، يعني أداء وأمانة، فلا مدخل للحاكم في ذلك، وما ليس للحكام فيه مدخل فيما يتنازع الناس فيه، فليس بواجب، وإذا لم يجب ارتفع التنازع.

وقد حُكي عن الشافعي أنه قال في المملوك يسأل سيِّدَه المكاتبة: أن ذلك لا يجب على السَيِّد، وأنه إذا كاتبه وجب أن يُجبَر السيدُ على أن يضع عنه مما عقد عليه الكتابة شيئًا ما كان، قال: وهذا واللَّه أعلم عندي مثل قول اللَّه عز وجل: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٤١]، قال: فإن مات قبل أن يضع جُبِر ورثتُه على ذلك، وإن كانوا صغارًا وَضع عنهم الحاكمُ أقلَّ (١) ما يقع عليه اسم الشيء من كتابته، فجعل الشافعي الفرع أوجب من الأصل، وليس يكاد شيء (٢) من (٣) كلام العرب يُعطف بعضُه على بعض، يكون أولُه غيرَ واجب وآخرُه واجب، هذا لا يكاد يُعرف.

وقد يكون الكلام أولُه واجب وآخره غير واجب، قال اللَّه عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: ٩٠]، فبدأ بالعدل وهو واجب، ثم ذكر الإحسانَ بعدَه، وقال عز وجل: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ (٤) إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: ٢٣٧]، فبدأ بالواجب، ثم ذكر التفضل بعدَه.

وهذه الآية التي تأوَّلها الشافعي قد رُويت فيها الأحاديث، فمنهم من قال: يضع عنه الرُّبع، وقال هذا القائل بعد ذلك: إنه لا يراه واجبًا (٥).


(١) في الأصل: قل.
(٢) في الأصل: شيئًا.
(٣) فوقها في الأصل: في.
(٤) في الأصل: فرطتم.
(٥) هو قول سفيان، رواه ابن جرير في تفسيره (٩/ ٣١٧)، ورَوى الربعَ أيضًا عن علي =

<<  <  ج: ص:  >  >>