أما بعد، فإن أولى ما تمسَّك به المتمسِّكون، وتدبَّره المتدبِّرون، واتمَّ به المهتدون، ولجأ إليه المعتبرون، كتابُ اللَّه الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: ٤٢] الذي أكمل اللَّه به الدين، وأنزل اللَّه سبحانه في حجة الوداع: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ١٣] وقال تبارك اسمه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨]، وقال: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: ٨٩]، فأحكم اللَّه جل جلاله الفرائض والأحكام والأصول كلها فيه جليًا وخفيًا.
فمنه ما يُعقل بنفس الخطاب، قال اللَّه تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [فصلت: ٣ - ٤].
ومنه ما بيَّنه اللَّه عزَّ وجل بالوحي وهو الخفي، ألا تراه يقول: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٩]، وقال: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١٤]، فسأل نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- ربَّه تبارك وتعالى عن بيانه فبيَّنه له.
ومنه ما بيَّنه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحكمة التي أعطاه اللَّه، يقول اللَّه عز وجل: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: ٣٤]، وقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤].
ومنه ما شرَّف اللَّه به أصحاب نبيِّه بمشاهدتهم الأسباب التي نزل القرآن من أجلها، وسُنَّتِ السُّنن بحضرتهم عملًا وقولًا، فكانوا بالمشاهدة أعلم الخلق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute