للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال اللَّه تبارك وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: ٢٨]، والقنوط واليأس سواء، وليس يَعلمون يقينًا أن المطر لا يكون، وقد قال عز وجل: {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} [فصلت: ٤٩]، وقال عز وجل: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود: ١٠]، فأخبر تبارك اسمه عن طمع الإنسان ويأسه الذي ليس بيقين.

وقال عز وجل: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: ١١٠]، دخل قلوبَ الرسل اليأسُ من غير يقين استيقنوه، لأن اليقين يأتيهم من قِبَل اللَّه تعالى، كما قيل في قصة نوح عليه السلام: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: ٣٦]، فكان اليأس الذي وقع للرسل، وظَنّ قومهم أنهم قد كذِبوا -مُخَفَّفَة-، أَيِسَ الرسل من قومهم أن يؤمنوا، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا ما جاؤوهم به، جاءهم نصر اللَّه عند ذلك.

وقد قرأها قوم {قَدْ كُذِبُوا}، ثقيلة مشدَّدَة، ومعناها: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا، {وَظَنُّوا} هاهنا ظن الرسل أن قومهم قد قاموا على تكذيبهم، هذا معناه على هذه القراءة عندي واللَّه أعلم، وهذه القراءة أبين وأصح مخرجًا، وهي قراءة نافع وأهل المدينة، وكلا القراءتين تدل على أن اليأس ليس بيقين.

وأما قوله: {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُور} [الممتحنة: ١٣]، وهذا معناه على ما قال ابن عباس وغيره: من الآخرة ومن البعث، لأنهم كانوا غير متيقنين بعود الموتى وأمر البعث، وهذا فيمن يقول بالدهر من الكفار، وهذا أيضًا ليس بيقين، لأنهم قالوا: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:

<<  <  ج: ص:  >  >>