المقارن، الذي انعقد في مدينة لا هاي في سنة (١٩٣٢م) إلى هذا التقدير الكبير للشريعة الإسلامية، الذي بدأ يسود بين فقهاء أوروبا وأمريكا في العصر الحاضر.
ولكني أرجع للشريعة نفسها لأثبت صحة ما قررته. ففي هذه الشريعة عناصر لو تولتها يد الصياغة، فأحسنت صياغتها، لصنعت منها نظريات ومبادئ لا تقل في الرقي وفي الشمول وفي مسايرة التطور عن أخطر النظريات الفقهية التي نتلقاها اليوم عن الفقه الغربي الحديث.
وآتي بأمثلة أربعة اضطررت إلى الاقتصار عليها لضيق المقام: يدرك كل مطلع على فقه الغرب أن من أحدث نظرياته في القرن العشرين: نظرية التعسف في استعمال الحق، ونظرية الظروف الطارئة، ونظرية تحمل التبعة، ومسؤولية عديم التمييز. ولكل نظرية من هذه النظريات الأربع أساس في الشريعة الإسلامية لا يحتاج إلا للصياغة والبناء ليقوم على أركان قوية، ويسامت نظريات الفقه الحديث».
وقد أحدثت هذه الصيحة بالاعتراف بالحق دوياً في نفوس واضعي القوانين العربية، ولم يعد مقبولاً بحال ترك مصادرنا الفقهية الإسلامية، وأخذ قانون مترجم ترجمة حرفية عن القانون المدني الفرنسي.
وأثمر هذا الدوي القوي في أفكار القانونيين، فصدر في دنيا العرب قانونان مدنيان مستمدان من الفقه الإسلامي، وهما القانون المدني العراقي عام (١٩٥١م)، والقانون المدني الأردني عام (١٩٧٦م)، وصدر في ليبيا ـ الثورة إلغاء صريح فوري لكل مواد القانون المدني المعارضة للشريعة، وبدئ بوضع قانون جديد مستمد من الفقه الإسلامي، كما بدئ في مصر بوضع مشاريع قوانين مدنية وجزائية مستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية، غير الملتزمة مذهباً فقهياً معيناً،