من الإشكالات في علم الكلام: أنه عقَّد البسائط العقلية، بمعنى: أنه أصبح الإدراك لبسيطة من البسائط العقلية يحتاج إلى سلسلة من التنظيمات العقلية والاصطلاحية وما إلى ذلك، وفي الأخير يكتشف أن النتيجة سهلة ويسيرة، فإذا أرادوا -مثلاً- أن يثبتوا أن زيداً موجود، دخلوا في مسألة طويلة، وقالوا: إن الإنسان حيوان، وتقوم به صفة الحيوان، وهو حيوان ناطق، ثم يفسرون هذا الكلام، وفي الأخير يخلصون إلى أن زيداً موجود لأنه حيوان, والحيوان متصل بالحياة، والحياة تقود إلى الوجود
وهكذا.
ونجد في المنطق أن الإنسان حيوان ناطق، مع أنه لو قيل: الإنسان، لعرف مباشرة؛ لأن الإنسان هو الذي يستوعب نفسه، فهذا التعريف -وهو أن الإنسان حيوان ناطق- هل اكتشف بعض الخصائص في الإنسان لم يصل إليها العلم؟ وهل فصل نظام الروح في الإنسان؟ وهل فسر كل حقيقة الحياة في الإنسان؟ وهل ذكر علاقة الروح بالجسد؟ وما إلى ذلك، فهل أفاد هذا التعريف هذه المعاني الدقيقة المعتاصة على إدراك الإنسان نفسه؟ الجواب: لا.
بل لم يفد إلا أن الإنسان شيء يتكلم.
إذاً: فهم أحياناً يعقدون القضية، مع أنها من الواضحات.
وعلى كل حال: فإن كتب المنطق وكتب علم الكلام لا فائدة فيها في الجملة إلا -كما سبق- أنها نظمت معلومة، ولا سيما في علوم آلات المنطق، وقد تقوى بها بعض الناس على الفك والربط والجدل والمناظرة، وإن كان هذا غير داعٍ إلى قراءتها، لكن من اشتغل بها فإنه ربما استفاد هذا الوجه، فتجد مناظرة الماتريدية مثلاً للمعتزلة فيها مثل هذا الفوائد من هذا الوجه.