[الاقتصار في محاجة البدع على السنة]
قال رحمه الله تعالى: [ومن اقتصر على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه أصحابه والجماعة؛ فلج على أهل البدعة كلهم، واستراح بدنه، وسلم له دينه إن شاء الله؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستفترق أمتي)، وبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناجي منها فقال: (ما أنا عليه وأصحابي)، فهذا هو الشفاء والبيان، والأمر الواضح والمنار المستنير، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والتعمق، وإياكم والتنطع، وعليكم بدينكم العتيق)].
هذا الحديث أثر عن ابن مسعود، لكن معانيه ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما النهي عن التعمق والتنطع فقد ورد في نصوص كثيرة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما قوله: (وعليكم بدينكم العتيق) فهذا من كلام ابن مسعود.
وابن مسعود وغيره من الصحابة كثيراً مما يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إما بالنص، أو يفهمون معاني كلام النبي صلى الله عليه وسلم فينطقون به حكمة أو قواعد.
وفي هذه الفقرة أشار الشيخ إلى أن من وقف على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعه الحجة، وفعلاً! فإن من وقف على سنة النبي صلى الله عليه وسلم في محاجة أهل البدع، فهذا هو المحق.
وقوله: (فلج) بمعنى خصم وقويت حجته في الخصومة، وانتصر.
ولذلك نجد السلف في محاوراتهم ومناظراتهم يقفون على هذا الأصل، كما فعل الإمام أحمد في مناظرته للجهمية أمام الخلفاء، فإنه ناظرهم بالكتاب والسنة، حتى كان يجيب بالآية ويجيب بالحديث، مما استثار حفيظة خصومه، وجعلهم يغضبون، وهو لا يقصد استفزازهم، لكن قصدي أنه أوقفهم على النص، وهذا هو المنهج السليم، فإن الآيات اشتملت على الدلالة الشرعية والدلالة العقلية ضد البدع والأهواء والشرك.
فمن هنا ينبغي لطالب العلم أن يتحرى دلالات القرآن وحجج القرآن وحججه وبراهينه في الرد على المخالفين، فإنها قواعد، فمن اقتصر على السنة في استدلاله وفي عمله وفي قدوته وفي انتسابه إلى الحق، وفي محاجته وجداله، وفي علمه وتعليمه، خصم أهل الأهواء والبدع؛ لأنه جاء بالحق الخالص.
قوله: (فلج على أهل البدع كلهم واستراح بدنه وسلم له دينه إن شاء الله؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستفترق)) بمعنى أنه بين أن الافتراق سيكون، وأن الذين هم على الحق سيفلجون ويغلبون وينتصرون، وهم الجماعة، وهم من كان على ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته.
إذاً فالسنة هي الشفاء وهي البيان وهي الأمر الواضح وهي المنار المستنير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماها: الواضحة، وقال ابن مسعود في الأثر: (إياكم والتعمق)، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التنطع في الدين والتعمق فيه؛ لأن من التنطع الخروج عن مقتضى السنة، سواء في الاستدلال أو في منهج التلقي أو في المحاجة والجدال، أو في العمل والتطبيق، فكل من خرج عن السنة فهو متعمق خارج عن مقتضى الحق، والله أعلم.