للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والغرب حيث لم يكن للمسلمين دولة ذات شوكة غيرها، فالعراق في الشرق تحت حوزة المغول وكذلك سائر الممالك الاسلامية الشرقية، والأندلس في الغرب تعاني من التفكك وتلفظ أنفاسها الأخيرة، وهكذا فإن الثقل السياسي والحضاري للمسلمين بصفة عامة قد انتقل إلى القاهرة حيث عاصمة البلاد القادرة على حماية المسلمين.

وحلت القاهرة محل بغداد في كل شيء وأصبحت وارثة لها في تركتها سياسيا وحضاريا وثقافيا، وإكمالا لهذه الصورة فلقد انتقلت الخلافة العباسية كذلك من بغداد إلى القاهرة، وحرص المسلمين على الخلافة التي تمثل وحدتهم جميعا يتضح من حديثهم عن سقوط خلافة بغداد وكيف «أقامت الدنيا بلا خليفة ثلاث سنين ونصف سنة» «١» حتى تولى الخلافة أحد أبناء الخلفاء السابقين ببغداد حيث قصد إلى القاهرة وتلقاه سلطانها الظاهر بيبرس واستقبله العلماء والجند وسائر طوائف الشعب أروع استقبال فرحا بإحياء الخلافة «٢». وهكذا انتقلت الخلافة الإسلامية التي كانت في هذا الحين رمزا دينيا سياسيا وحسب إلى القاهرة منذ عهد بيبرس سنة ٦٥٩ هـ وأصبح أحد مناصب الدولة الرئيسية، وظل الحال على ذلك حتى آخر هذا العصر إلى حين قدوم السلطان سليم العثماني في سنة ٩٢٣ هـ. وإذا كان الخليفة في العصور الإسلامية المبكرة هو صاحب السلطة الحقيقة في تدبير شئون البلاد التي تتبعه وتولية ولاة الأقاليم وعزلهم وتسيير الجيوش والغزوات فإن ضعف الخلفاء في بغداد أواخر عهدهم قد أفقدهم هذه السلطة كما أن الخلافة الجديدة بمصر لم تكن لديها هذه القوة، وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الحقوق كانت لا تزال مكفولة للخلفاء من الناحية الشكلية النظرية، فالخليفة هو الذي يولي السلطان ولا يكون تولي السلطان شرعيا إلا باقرار الخليفة.

وقد روعي ذلك منذ تولي أول خليفة فبعد مبايعة السلطان والعلماء والأمراء للخليفة قام هو بدوره فألبس «السلطان بيده خلعة سوداء وعمامة سوداء وطوقا


(١) السيوطي: حسن المحاضرة ج ٢ ص ٥٧.
(٢) السلوك: ج ١ ص ٤٩٩، حسن المحاضرة ج ٢ ص ٥٨، تاريخ الخلفاء ص ٣١٧.

<<  <   >  >>