للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عين جالوت بين بيسان ونابلس حيث حدثت الموقعة التي تعد من أهم معارك المسلمين في تاريخهم بوجه عام، وقد استطاع المسلمون بقيادة السلطان قطز، وبحسن بلاء بيبرس أن يحرزوا انتصارا ساحقا على عدوهم وأن يتابعوا عدوهم قتلا وأسرا ويلحقوا به هزيمة ثانية قاضية عند بيسان. «١»

وقد يبدو أنني قد فصلت إلى حد ما القول في معركة عين جالوت بالرغم من بعدها نسبيا عن العصر الذي نود لو نرسم صورة واضحة لمعالمه ولكن حقيقة الأمور تستدعي أن نلقي الضوء على هذا الحدث لما كان له من أثر في العصر المملوكي بصفة عامة، فلقد ترتب على هذه الموقعة آثار خطيرة منها أن المماليك قد بسطوا نفوذهم على مصر والشام كما أنهم بفضل هذا الانتصار أكسبوا حكمهم صفة الشرعية التي كانوا يفتقرون إليها في نظر الشعب لأنهم مغتصبون للبيت الأيوبي من جهة، وأنهم من أصل غير حر من جهة أخرى، ولقد كانت النقطة الأخيرة سببا في ثورة الأعراب عليهم قبل هذه الموقعة بقليل «٢».

وإذا كان أثر هذه المعركة هو استتباب الأمر للمماليك حكاما للبلاد فإن لها آثارا أخرى سياسية وحضارية في البيئة المصرية بوجه عام وفي القاهرة بوجه خاص.

وإذا كانت القاهرة هي المدينة التي نشأ فيها السيوطي وتلقى علمه وتأثر بها وأثر فيها، فإن هذه المدينة قد اكتسبت كثيرا من المميزات على أثر هذا الانتصار، وظلت تتمتع بهذه المميزات طيلة عصر المماليك، فقد احتفظت القاهرة بما لها من حضارة وحيوية حيث لم تمتد إليها معاول التدمير المغولي التي شملت غيرها من مدن الشرق الاسلامي، وأصبحت ملجأ وملاذا للعلماء والمفكرين وسائر الناس الفارين من وجه الغزاة، وبحكم الحالة السياسية فقد أصبحت مصر والشام دولة واحدة قوية تعقد عليها آمال المسلمين في الشرق


(١) نفس المصدر ج ١ ص ٤٣١، أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج ٧ ص ٧٩، السيوطي: تاريخ الخلفاء ص ٣١٦.
(٢) المقريزي: السلوك ج ١ ص ٣٨٦ - ٣٨٨.

<<  <   >  >>