للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يقف الغزو المغولي عند هذا الحد بل تعداه إلى بلاد الشام حيث أخذت مدن الشام تتساقط في أيديهم ويحدث بها من الفظائع والتخريب وسفك الدماء مثلما حدث ببغداد «١».

ولقد كانت هذه الغزوات تسبق بموجات من الفزع تعتري سكان البلاد مثلما حدث بدمشق بعد سقوط حلب حيث ارتحل أغلب سكانها، وارتحل كثيرون من غيرها إلى مصر، وتفيض الكتب العربية بوصف المآسي التي حدثت للناس في هذه الظروف السيئة «٢».

ووصل الغزو المغولي إلى غزة وجاء دور مصر التي كان يحكمها المماليك الذين استطاعوا أن يستأثروا بالسلطة دون البيت الأيوبي، وفي هذه الظروف الحرجة استطاع سيف الدين قطز أن يتملك زمام الأمور وأن ينحي سلفه مستندا إلى أن المسلمين في حاجة إلى زعيم قوي يوحد صفوفهم ضد الغزو المغولي «٣»، الذي كان يهدد المسلمين فضلا عن مساندته للصليبيين وتقويته جانبهم «٤».

وحضر رسل هولاكو يطلبون من السلطان التسليم بكتاب يتهددون فيه ويتوعدون ويطلبون إليه تسليم مصر لهم «٥»، وكان أن قبض السلطان على الرسل وقتلهم وأبدى كثيرا من الشجاعة ورباطة الجأش في جمع الصفوف والدعوة إلى الجهاد على الرغم مما كان يحاوله بعض الأمراء من النكوص عن الجهاد والتخاذل «٦».

ولم يكن ثمة مناص من حدوث الصدام المسلح بين التتار والمماليك، وقد أظهر الأخيرون تماسكا في وجه عدوهم وتناسوا في تلك المرحلة الحرجة ما كان بينهم من خلافات، وبدءوا في الزحف لملاقاة عدوهم حتى انتهى بهم المسير إلى


(١) المقريزي: السلوك ج ١ القسم الثاني ص ٤١٨، ٤١٩.
(٢) المصدر السابق، ص ٤١٥، ٤١٦، السيوطي: تاريخ الخلفاء ص ٣١٤ - ٣١٥.
(٣) المقريزي: السلوك ج ١ ص ٤١٨، ابو المحاسن: النجوم الزاهرة ج ٧ ص ٥٥.
(٤) السلوك: ص ٤٢٥ وسعيد عاشور: العصر المماليكي ص ٢٩.
(٥) نص الكتاب بالسلوك ص ٤٢٧ - ٤٢٨.
(٦) المصدر السابق ج ١ ص ٤٢٩.

<<  <   >  >>