للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد استطاع التتار قبل وصولهم إلى بغداد أن يقضوا على الدولة الخوارزمية وأن يسيطروا على إيران، وبذلك جاء دور بغداد.

وقد تعرضت بغداد لهجوم التتار في عام ٦٣٥ هـ وبعث الخليفة بجيش مني بالهزيمة وقتل أكثر جنوده وفر الباقون من وجه المهاجمين «١»، ولم يلبث التتر أن عاودوا هجومهم على بغداد في سنة ٦٥٦ هـ بقيادة هولاكو الذي استولى على بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسيين ببغداد. «٢»

وتفيض المراجع العربية بذكر الفظائع التي ارتكبها المغول بسائر الأقاليم التي تعرضت لغزوهم فقد تعرضت بغداد للتخريب في شتى مرافقها، وجرت الدماء في الطرقات واستمرت إباحة المدينة للغزاة أربعين يوما حتى أمر هولاكو بعدّ القتلى فبلغت الألفي ألف قتيل «٣» (أي مليونين من القتلى)، ومهما يكن من أمر هذا العدد ومدى صحته فإنه يعطي صورة لكثرة القتلى وما أقامه المهاجمون من مذابح بشرية.

وهكذا سقطت الخلافة العباسية في بغداد، ولم يكن سقوطها في حقيقة الأمر يعني نهاية حكم العباسيين وحسب بقدر ما كان يعني حدثا خطيرا هز كيان العالم الاسلامي كله، ذلك أن الخلافة الاسلامية التي آل أمرها إلى المستعصم آخر خلفاء بغداد كانت تمثل رمزا دينيا لوحدة المسلمين، على الرغم مما كان عليه هؤلاء الخلفاء من ضعف جعل غيرهم ينفرد بالسلطة الفعلية دونهم، وبالرغم من انقسام الأقاليم الاسلامية إلى دويلات متعددة تخضع لحكام متفرقين متناحرين فيما بينهم على ازدياد النفوذ في كثير من الأحيان.

ولقد شعر المسلمون بمدى الخسارة التي لحقتهم بسقوط بغداد على أيدي التتار الذين دمروا كل ما كان الخلفاء العباسيون قد جمعوه خلال خمسة قرون «٤»،


(١) المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك ج ١ القسم الثاني ص ٢٧٣.
(٢) المقريزي: السلوك ج ١ القسم الثاني ص ٤٠٩، تاريخ الخلفاء ص ٣١٣.
(٣) المقريزي: السلوك ج ١ القسم الثاني ص ٤١٠.
(٤) أبو الفداء: مختصر تاريخ البشر: حوادث عام ٦٥٦ هـ، ج ٣ ص ٢٠٢.

<<  <   >  >>