للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد ساعد على هذا الانتصار اعتقاد العوام البالغ في الشيخ عمر بن الفارض حتى ذكر أنهم حاولوا قتل البقاعي ورجموه بالحجارة، كما أن السلطان انتصر له وعزل ابن الشحنة من القضاء «١» وتدلنا هذه الحادثة على منزلة السيوطي منذ بداية حياته العلمية بين العلماء، ومشاركته في الأحداث العامة، والحقيقة أن السيوطي كانت له مبادئ وآراء تمسك بها طيلة حياته ودافع عنها، وقد نصب من نفسه مدافعا عن رجال التصوف المعروفين فصار ينفي عنهم كل شبهة أثيرت حولهم ويحاول أن يبين التزامهم بالكتاب والسنة وموافقتهم في مسالكهم لهما. فهو لا يفتأ يذكر بعد ذلك في موضع آخر أنه «ما زالت العلماء ومحققو الصوفية يبينون بطلان القول بالحلول والاتحاد، وينبهون على فساده، ويحذرون من ضلاله» «٢».

وغدا السيوطي عالما يشار إليه بالبنان في القاهرة منذ ذلك الوقت، وقد وردت عليه كثير من الأسئلة التي أجاب عليها أحسن إجابة، واستفتى في كثير من المعضلات فأفتى فيها، ومن الأسئلة المبكرة التي تدل على تمكنه وشهرته وذكائه وعقله ما ورد إليه عام ٨٧٦ هـ، وهي مجموعة من الألغاز العلمية المنظومة طلب إليه أن يجيب عنها نثرا ونظما فأجاب أصوب جواب «٣».

وقد طبقت فتاوى السيوطي بلاد مصر والشام وسائر بلاد الاسلام «٤»، وانتشرت كتبه في حياته وانتفع بها الناس، ونلاحظ في فتاواه وكتاباته الكثيرة انتقادا لكثير من نواحي الحياة في المجتمع وحثا على الاصلاح، ومن أوضح الأمثلة على ذلك فتواه بهدم أحد البيوت التي أقيمت إلى جوار أحد المساجد


(١) ابن إياس: بدائع الزهور ج ٢ ص ١٢٠، ١٢١.
(٢) السيوطي: تنزيه الاعتقاد عن الحلول والاتحاد، رسالة ضمن كتاب الحاوي للفتاوي ج ٢ ص ٢٣٦.
(٣) الأجوبة الزكية عن الألغاز السبكية، رسالة له طبعت بالحاوي ج ٢ ص ٤٩٣.
(٤) انظر مثلا رسالته: المباحث الزكية في المسألة الدوركية، وهي استفتاء عن وقف بإحدى بلاد خوزستان، الحاوي للفتاوي ج ١ ص ٢٥٣، انظر رسالته: فتح المطلب المبرور وبرد الكبد المحرور في الجواب عن الأسئلة الواردة من التكرور، الحاوي ج ١ ص ٤٥١.

<<  <   >  >>