القلة على أفعلة. والمراد بالطرق الأسانيد) وقال في الفتح (١/ ٤٦٣): (العشرة آخر جمع القلة وأول جمع الكثرة)، ولعله لهذا الذي ذكره ابن حجر حداً بين القلة والكثرة بالعشرة ذهب السيوطي إلى أن أقل المتواتر عشرة، وعلله بأنه أول جموع الكثرة (١).
وهنا ملاحظة وهي أن ابن حجر قد رد هذا المفهوم حيث قال في "النزهة" (ص/٣٧): (لا معنى لتعيين العدد على الصحيح، ومنهم من عينه في الأربعة، وقيل في الخمسة وقيل في السبعة، وقيل في العشرة، وقيل في الاثنى عشر ... وتمسك كل قائل بدليل جاء فيه ذكر ذلك العدد فأفاد العلم وليس بلازم أن يطرد في غيره لاحتمال الاختصاص) والجمع بين كلامه هنا أنه إنما رد التعيين والحصر في العشرة لا الإمكان فلا مانع من أن يكون عدد طرق المتواتر عشرة إذا حصل بخبرهم العلم، وإنما لم يحده بهذا الحد لأنه غير مطرد بمعنى أن هذا الحد قد يقيد العلم عند بعض الناس دون بعض تبعاً للقرائن.
الشرط الثاني: أن تحيل العادة تواطؤهم، وتوافقهم على الكذب:
قال الحافظ في "النزهة" (ص/٣٧): (وتلك الكثرة أحد شروط التواتر، إذا وردت بلا حصر عدد معين، بل تكون العادة قد أحالت تواطؤهم على الكذب، وكذا وقوعه منهم اتفاقا من غير قصد).
قال الشيخ الحلبي في نكته على النزهة (ص/٥٦): (نُقِل عن المصنف أنه قال في
الفرق بينهما: إن التواطؤ هو أن يتفق قوم على اختراع معين، بعد المشاورة والتقرير، بأن لا يقول أحد خلاف صاحبه. والتوافق: حصول هذا الاختراع من غير مشاورة بينهم ولا اتفاق؛ يعني: سواء كان عن سهو، أو غلط، أو عن قصد - أي للاختراع والكذب -) كما في حاشية لقط الدرر (ص/٢٦)).
وبيَّن الشيخ السماحي في الرواية (ص/٥١) بعض القرائن التي قد يستدل بها على عدم التواطؤ أو التوافق على الكذب عادة فقال: (بأن يكونوا مثلا من بلدان متفرقة، وصنائع مختلفة، وأوساط متباينة، لا يجمعهم هوى، ولا يحويهم مكان، ولا تشملهم إمرة سلطان له هوى في جمعهم فأمرهم بالخبر، وهكذا ... وقلنا (عادة) أي إن العقل يستند في حكمه على جريان العادة، وسنة الله في خلقه على عدم إمكان اجتماعهم على هذا الأمر، وتواطئهم عليه).
[ملاحظة:]
ذهب قوم إلى اشتراط هذه القرائن في حد التواتر، وهو خطأ، قال طاهر الجزائري في توجيه النظر إلى أصول الأثر (١/ ١٥٢): (وأما ذكر العدالة وتباين الأماكن فتأكيد لعدم تواطئهم على الكذب وليس بشرط في التواتر).
الشرط الثالث: تحقق الكثرة من ابتداء الإسناد إلى انتهائه:
قال الحافظ في "النزهة" (ص/٣٨): (فإذا ورد الخبر كذلك، وانضاف إليه أن يستوي
الأمر فيه في الكثرة المذكورة من ابتدائه إلى انتهائه -والمراد بالاستواء: أن لا تنقص الكثرة المذكورة في بعض المواضع، لا أن لا تزيد؛ إذ الزيادة مطلوبة هنا من باب أولى).
ومعنى هذا الشرط أنه لابد من تحقق الكثرة التي توجب العلم من ابتداء السند إلى الانتهاء إلى مَن أخبرهم بالواقعة القولية أو الفعلية؛ لأن خبر كل طبقة وعصر مستقل بنفسه؛ فلابد فيه من ذلك، وليس المراد التماثل في ذكر العدد.
الشرط الرابع: أن يكون مستند انتهائهم الحس، لا ما ثبت بقضية العقل الصِّرف:
قال الحافظ في "النزهة" (ص/٣٨): (وأن يكون مستند انتهائه الأمر المشاهد أو المسموع، لا ما ثبت بقضية العقل الصِّرف).
قال الشيخ السماحي في الرواية (ص/٥١): (أي يكون الخبر مخبرا عن أمر حسي لا عقلي، ويكون سند المخبرين هو الإحساس به على وجه اليقين. وذلك مثل أن يقولوا: رأينا كذا، أو سمعنا كذا، ونحو ذلك، مما يدرك بحاسة من الحواس الخمس، فإن كان الخبر مما لا يدرك بالحس لا يسمى متواترا، ولا يفيد العلم، وإن كان المخبرون به لا يحصون كثرة، فلو استدل مستدل على قدم العالم أو حدوثه بأن أكثر الخليقة تقول به، فإنه لا يعتبر بمثل هذا الاستدلال. لأنه لم يكن خبرا عن أمر محسوس).
قال القاري في "شرح النخبة" (ص: ١٧٠): ((لا ما ثبت بقضية العقل الصرف) كوجود الصانع وقدمه، وقدم صفاته، وحدوث العالم، ومفرداته ومركباته، وكزيادة عدد الاثنين بالنسبة إلى الواحد).
الشرط الخامس: أن يصحب خبرهم إفادة العلم لسامعه:
قال ابن حجر في "النزهة" (ص/٣٨): (فإذا جمع هذه الشروط الأربعة ... وانضاف إلى ذلك أن يصحب خبرهم إفادة العلم لسامعه. فهذا هو المتواتر).
اعلم أن حصول العلم هو ثمرة لتحقق الشروط الأربعة وليس هو شرطا زائداً عليها. واعلم أيضا أنهما متلازمان، بمعنى أن حصول العلم تابع ولازم لتحقق الشروط الأربعة
(١) أنظر تدريب الراوي (٢/ ١٧٦).