(الأفكار)، ولتختاروا على سبيل المثال موضوع المذاهب الاقتصادية أو أي موضوع نفساني. فإنه لا مَعْدى لكم عن الالتقاء في محيطم بثلاثة أصناف من الناس: الذين يلزمون الصمت تأدباً، والذين يتهكمون ملقين فيما بينهم بنظرات ذكية، وكأنهم يقولون من ورائها: يا للمخرف! .. وصنف ثالث وهم أكثر القوم خلوص نية: يتثاءبون من السآمة، ثم ينصرفون عنكم إلى الاهتمام بأشياء أكثر جدية كمشكلة (الشوال) مثلاً! ..
وحتى هذا المدى، فإنكم لا تزالون بعيدين عن مشاهدة كل المزعجات التي يمكن أن تحيق (بأفكاركم). إلا أنكم على أية حال قد قمتم في هذه الأثناء بملاحظة هامة، تتمثل في إدراككم لمدى ما عليه الفكرة في المجتمع الإسلامي من (لافعالية) وكأنها العَزْلى من سلاحها .. ولكن المجتمع- وهذا هو الأهم بدرجة لا تُضارَع- يعاني حينئذ نقيض مفعول موقفه: فهو مجتمع فقير الأفكار، في الساعة التي تمثل فيها الأفكار الثَّروة الوحيدة التي يُعوَّل عليها؛ وهو مجتمع أعزل مفاهيمياً أو إيديولوجياً، في نفس الوقت الذي يتعين فيه أن تُسَوَّى كل المنازعات في العالم من هنا فصاعداً لا بالأسلحة ولكن بالأفكار.
إن (عالم الأفكار) هو الذي يدعم (عالم الأشياء)، العالم الذي لا يقف على قدميه بدون العالم الأول، ولا يمكن أن يقف على قدميه بنفسه إذا ما أطاحت به النوائب.
والمؤكد أن عصرنا، من جراء العامل الفني الذي يُعَجِّل من خطو كل الاطرادات، هو العصر الأخصب والأحفل بالتجارب الاجتماعية البناءة.
فقد رأينا كيف قامت ألمانيا- وهي المستنزفة والمنهكة جهداً ووسائل سنة ١٩٤٥ - بنهوض معجز خلال عشر سنوات. وقد سلف لي أن فسَّرت في دراسة أخرى، هذا النهوض؛ بالإنسان والتراب والوقت، التي تفسر مجتمعة، كل عملية