(فألقي السحرة) أي فألقى ذلك الأمر الذي شاهدوه من موسى والعمى إياهم (سجداً) لله تعالى، وذلك لأنهم كانوا في أعلى طبقات السحر، فلما رأوا ما فعله موسى خارجاً عن صناعتهم، عرفوا أنه ليس من السحر البتة، وقد مر تحقيق هذا في سورة الأعراف.
قال صاحب الكشاف: سبحان الله ما أعجب أمرهم، قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين؛ وقيل إنهم لم يرفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار والثواب والعقاب (قالوا آمنا برب هارون وموسى) إنما قدم هارون على موسى هنا في حكاية كلامهم، وأخر في الشعراء رعاية لفواصل الآي وعناية بتوافق رؤوسها؛ ولأن الواو لا توجب ترتيباً.
قال عكرمة: إن سحرة فرعون كانوا تسعمائة، فقالوا لفرعون: إن يكن هذان ساحرين فإنا نغلبهما فإنه لا أسحر منا، وإن كانا من رب العالمين فإنه لا طاقة لنا برب العالمين، فلما كان من أمرهم أن خروا سجداً أراهم الله في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها في الجنة، فعندها قالوا هذا القول، وقالوا أيضاً:(لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات) إلى قوله: (والله خير وأبقى).