[ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم]
[باب: ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم.
حدثنا قتيبة وأحمد بن منيع قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها قالت: (دخلت بابن لي على النبي صلى الله عليه وسلم: لم يأكل الطعام، فبال عليه، فدعا بماء فرشه عليه)].
فيه دليل على أن بول الغلام الذي لم يأكل الطعام نجاسته مخففة، وأنه يكفيه الرش، ولا يلزم فيه الغسل، وهذا بخلاف ما إذا أكل الطعام، فإنه لابد من غسله، ولا يكفي فيه الرش والنضح، وكذلك الجارية الأنثى.
وقد اختلف العلماء في سبب الفرق بينهما، فقيل: إن سبب التفريق: أن الغلام بوله ينتشر ويتفرق في عدة مواضع، بخلاف الأنثى فإن بولها لا يتفرق، فكانت المشقة في غسل بول الغلام أكبر، فلذلك يكتفي فيه بالرش.
وقيل: إن الناس يكثرون من حمل الذكر ويحبونه أكثر من الأنثى، فتعم به البلوى في بوله فاكتفي بالرش.
وقيل: إن الأنثى مخلوقة من لحم؛ لأن حواء مخلوقة من آدم، وآدم من طين، وقيل غير ذلك، وكل هذه مجرد تعاليل، والمهم هو الحكم الشرعي، فنقول: سمعنا وأطعنا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: وفي الباب عن علي وعائشة وزينب ولبابة بنت الحارث وهي: أم الفضل بن عباس بن عبد المطلب وأبي السمح وعبد الله بن عمرو وأبي ليلى وابن عباس رضي الله عنهم.
قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين، ومن بعدهم مثل أحمد وإسحاق، قالوا: ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية، وهذا ما لم يطعما، فإذا طعما غُسلا جميعاً].
قال العلامة ابن القيم في (إعلام الموقعين): وهذا من محاسن الشريعة وتمام حكمتها ومصلحتها، والفرق بين الصبي والصبية من ثلاثة أوجه: أحدها: كثرة حمل الرجال والنساء للذكر، فتعم البلوى ببوله، فيشق عليهم غسله.
الثاني: أن بوله لا يَنْزل في مكان واحد، بل ينزل متفرقاً ههنا وههنا، فيشق غسل ما أصابه كله، بخلاف بول الأنثى].
الثالث: أن بول الأنثى أخبث وأنتن من بول الذكر، وسببه حرارة الذكر ورطوبة الأنثى، فالحرارة تخفف من نتن البول، وتذيب منها ما يحصل مع الرطوبة، وهذه معان مؤثرة يحسن اعتبارها في الفَرْق.
قلت: وهذه التعليلات لا يجزم بأنها هي الفوارق قطعاً.
وعقَّب أحمد شاكر بقوله: وسواء سُلِّم لـ ابن القيم هذا التعليل أم لم يسلِّم، وسواء عرفنا الحكمة في الفرق بينهما أم لم نعرف، فإن الواجب على الفقيه أن يتبع أمر رسول الله حيث وجده، ولا يضرب له الأمثال.
قلت: الواجب هو اتباع الدين، وأما الحكمة فإن عرفت فالحمد لله، وإلا صرنا إلى الدليل وإن لم نعرفها.