[دور ابن تيمية في التجديد وبيان أهمية كتاب العبودية]
ومن حكمة الله عز وجل أنه جعل على رأس كل قرن مجدداً يجدد لهذه الأمة أمر دينها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله عز وجل يبعث على رأس كل مائة عام لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها)، ففي كل مائة سنة يوجد مجدد، هذا المجدد من أهل السنة ومن أتباع السلف الصالح، يقوم لله عز وجل بالحق فيتبعه على ذلك أقوام كثيرون ويصبرون على ما يحصل لهم، ولهذا قال في الحديث الآخر:(لا يضرهم من خذلهم)، وهو يدل على أن هناك أقواماً يخذلونهم، وقال:(ولا من خالفهم)، وهذا يدل على أن هناك أقواماً يخالفونهم، لكن لا يضرهم ذلك، مادام أنهم على الحق ملتزمون به، لا يضرهم ذلك من أي وجه من الوجوه.
ومن الأئمة الذين كان لهم تجديد ودور رائد وقوي شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية رحمه الله تعالى، فهذا الإمام كان له دور تجديدي كبير في حياة الأمة، حيث انتشرت في زمانه البدع والضلالات، حتى أصبحت هي السائدة، وأصبح الذي يدعو إلى عقيدة السلف رضوان الله عليهم شاذاً وغريباً، فأحيا الله عز وجل به ما اندرس من العقيدة، وأظهر به السنة، وجاهد رحمه الله وصبر، وكان يقف مواقف لا تقفها أمة من البشر، وكان هذا الإمام له من العلم ما لا تستطيع أن تؤديه مراكز من مراكز الأبحاث العلمية، وكان له أيضاً من الجهد والصبر ما لا يستطيعه أحد ممن كان في زمانه، وهذه إرادة الله عز وجل، وهذا قدر الله عز وجل لهذه الأمة؛ لأنها أمة منصورة ولله الحمد، فيخرج الله عز وجل من أبنائها من يحمي لها عقيدتها ومن يحمي لها دينها، ومن يقول كلمة الحق في أحلك الأوقات ظلمة غير عابئ بما يحصل له ولا يخشى إلا الله سبحانه وتعالى، هذا الإمام ألف كتباً كثيرة في العقيدة، فكان من الكتب التي ألفها رحمه الله تعالى كتاب (العبودية)، وهذا الكتاب من أهم الكتب في الحقيقة من ناحية الموضوع، وهو موضوع العبودية والعبادة، فإنها هي الأصل في الدعوة إلى الله عز وجل، وهي الأساس في الحكمة من خلق الناس، وكذلك من ناحية طريقته رحمه الله في بحث هذه المسألة ودراستها ومحاولة الإلمام بجوانبها، ومناقشة المنحرفين فيها والرد عليهم، وإن كان ذلك بشكل إجمالي، لكن لا بأس بأن نبسطه بإذن الله تعالى.