للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس ثقافة الانا والانا فقط / ثقافة العلم والمعرفة وليس ثقافة الجهل والتخلف. هذا هو المناخ الملائم لصنع قيم جديدة ... على اسس الحق والخير والجمال.

ان الازمة التي نعيشها هي أزمة حضارة وصَلتْ إلى الطريق المسدودة، لعلّة في قِيَمها، ومفاهيمها، وعقليتها الخُلُقية، وكامل نظرتها إلى الوجود ومبادىء تعاملها معه. هي عدائية وإعتدائية على الإنسان والطبيعة وأجيال المستقبل. من هنا أنّ ضمانات المستقبل لا تكون إلاّ بثورة في الحضارة تقيم التوازن المفقود مع ثورة الوسائل، وتُنشىء محرِّضات إنسانية جديدة تستنفر خيرَ ما في الإنسان لا شرَّ ما في غرائزه المتوحّشة. المجتمعات هي الطرف الأصيل في هذه الثورة-الضمانة، وهي موضوعها ومسرحها وأداتها والوسيلة (١). وهذا يفترض أيضاً على الصعيد الجمالي، تغيير دراسة العمل الإبداعي للإنسان، حتى لا نحصر الجمال في النماذج الغربية وحدها، والتي قدمها الإغريق وعصر النهضة في القرن السادس عشر. وبهذه الطريقة وحدها، يمكن للفن الخروج من قيود وحدود أرسطو، فلا نحكم على الفنون بمعايير التشريح والمنظور في عصر النهضة وحدها، (ومقاييس بومبي التي أعقب كبار الرواد طوال ثلاثة قرون). ونتحرر أيضاً من القيد الآخر، لأن مجرد النفي والعصيان أدى إلى تدهور الفن المسمى "الفن المعاصر"، والذي توهم أنه يصبح فناً "حديثا" كلما زاد جهلاً بالماضي، حتى أصبح هذا الفن يشمل بعض اللوحات أو النحت مما يشبه الأراضي المليئة بالنفايات، وأصبح يثير الضجيج بدلاً من الموسيقى، وحول الرقص إلى حركات هستيرية تخلو من أي معنى إنساني (٢).

قد انتهت الحضارة الاوربية إلى علاقة استهلاكية مع الطبيعة وتقلصت جماليات الزمان المبدع في الموسيقى وفي الرسم فحلت المقطوعات القصيرة السريعة الايقاع التي تختلس الوقت وتبتره واللوحات السريعة التي سطعت بديلاً عن الزمان الكامل للابداع وذلك لمسايرة عامل الانتاج والاستهلاك. كان الكلداني يتطلع إلى جماليات السماء دوماً فورث عنه طاليس اليوناني علم الفلك .. اما فيثاغورس فقد كان ابناً باراً لعلوم الجماليات المصرية التي ابدعت الاهرامات .. كل تلك


(١) عولمة الرعب - يوسف الأشقر, نشر على الإنترنت: الثلثاء ٢٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦.
(٢) أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى- ص٢٢٣ - ٢٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>