للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ان منع الكارثة لا يكفي لضمان المستقبل. إنه يمنح الإنسانية فرصةً لإستعادة أنفاسها ولإستيعاب ما يحدث بأبعاده المصيرية، من دون أن تكون المقصلة فوق رأسها، مستقبل الإنسانية، في رأينا، إمّا يكون دورة حضارية جديدة، أو لا يكون. هذا يعني، على وجه التحديد، أنّ ثمة نظرة أُخرى إلى الإنسان والحياة والكون يجب أن تسود بكامل منظومتها المفهومية والقيَمية والخُلُقية، وبكامل عدّتها السياسية. بلوغ هذا الهدف هو أعظم تحدٍّ تواجهه الإنسانية، لا لتجميل حياتها بل لحفظ بقائها. إنه بناء جديد لا تُُمكن إشادته دفعةً واحدة، بل مدماكاً مدماكاً. حسبنا الآن أن نؤسّس له ونتّجه إليه (١).

ولهذا لابد من العثور على معايير اخرى للتقدم، تختلف عن معايير قوة التقنيات والثروة "الناتج القومي"، لنعرف التنمية بازدهار الإنسان وليس بالنمو الاقصادي. ويفترض هذا على المستوى العقائدي أن نعطي الإنسان بعده الأساسي: وهو التسامي، على الا يكون التسامي .. تعبيراً عن الإله الملك، الذي يحكم مصائر البشر والإمبراطوريات من الخارج ومن أعلى، ولكن أن يكون ذلك التسامي منبثقاً من عمل الإنسان الخلاق، مع الوعي بأن الله حين خلق الإنسان فلكي يكدح الإنسان لملاقاة الله متخذاً منه مثلاً أعلى. ولذلك لا بد من التخلي عن الظن الخاطئ بأن "التاريخ المقدس" إنما هو تاريخ قبيلة واحدة، ذلك أن هذا التاريخ ينبع من كل عائلات العالم، ومن كل الثقافات، وكل الحضارات، ومن الهند الأمريكية ومن أفريقيا وآسيا (٢).

لهذا يجب ان نعمل على تأسيس ثقافة جديدة: ثقافة الحياة لا ثقافة الموت / ثقافة الحوار لا ثقافة الامر، ثقافة الشخصانية والجماعية وليست ثقافة الفردية / ثقافة المحبة والحب وليست ثقافة الحقد والكره / ثقافة السماح والتسامح وليس ثقافة الثار / ثقافة الانفتاح وليس ثقافة الانغلاق / ثقافة قبول الاخر وليس ثقافة الغاء الاخرين / ثقافة البناء والاعمار وليس ثقافة الهدم / ثقافة الانا تصبح النحن


(١) عولمة الرعب - يوسف الأشقر, نشر على الإنترنت: الثلثاء ٢٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦.
(٢) أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى- ص٢٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>