للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحضارات التاريخية التي لا يمكن القول بأنها بائدة قد منحت عالم اليوم مقدماته العلمية، بعد ان انفتحت على قيم الكون الجمالية (١).

يقول أحد كبار الفنانين المجددين في هذا القرن، ورائد التكعيبية "خوان جريس": "إن عظمة الفنان تتوقف على قوة الماضي الذي يحمله داخله، وليس ذلك لتقليد القدامى، أو الحفاظ على الموروث، ولكن لتجديد شعلة الرسالة التي كان أعظم حملة لوائها يعملون لإعلان الإمكانية الدائمة لتجديد إنسانية الكائن البشري". وهذا يفترض على الصعيدين السياسي والاقتصادي، تحطيم أصنام "العلوم الإنسانية" المدعاة التي تتمثل طريقتها في شف علوم الطبيعة، وإقامة مبادئ - على هذا النحو - تحط من قيمة الإنسان. إن الرجل الاقتصادي الذي لا بد له من أن يكون أحد هذين النموذجين: إما منتجاً، وإما مستهلكاً، متحركاً طبقاً لأغرضه الخاصة، هو أساس قاتل يحاول "الاقتصاديون" إخفاءه عن طريق آلات حسابية وهمية، لإعطاء مظاهر علمية لما هو في الواقع أيديولوجية موجهة لتنظير وتبرير نظام ظالم موجود وقائم. إن قلب المستقبل هو إعادة البحث، والتقديم الذاتي لكل المفاهيم الأخرى للإنسان، المولودة من خلال ثقافات أخرى، وتقديم السبل لخلق ظروف وشروط تقنية واقتصادية، وسياسية وروحية للجميع، تسمح لكل كائن إنساني (إمرأة أو رجل) بأن يصبح أكثر إنسانية، بمعنى أن يصبح "شاعراً" بالمعنى العميق للكلمة: وهو ان يصبح مبدعاً للنسخة الاصلية للمستقبل المحتمل (٢).

يقول رجل من الهنود الحمر معلقاً على همجية الرجل الابيض الذي افسد كل شئ عندما غزا أمريكا كاشفاً عن خواءه الروحي والانساني: نعتبر هذه البلاد قسمتنا ونعرف إن الرجل الأبيض لا يفهمنا، تستوي هذه الأرض عنده والأرض المجاورة لأنه الغريب الذي تسلل في ظلمات الليل فنال من هذه الأرض كل ما تمنى، انه لا يرى الأرض أختا له بل عدوا يقهره ولا يعبأ، انه يسرق الأرض من أبنائها ولا يعبأ، هذه قبور آبائه ومهاد أبنائه منسية، وها هو ينظر إلى أمه السماء فلا يراها إلا سلعة تسرق أو تباع كالأغنام والخرز إن جشعه يلتهم الأرض فلا يغادرها إلا صحراء ... لا


(١) العالمية الإسلامية الثانية - ابو القاسم حاج حمد ص ٢٣١
(٢) أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى- ص٢٢٣ - ٢٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>