للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرسطو. فلقد أفسدوا التاريخ العقلي للغرب بفلسفة "الوجود" التي كانت أساساً لكل الهيمنة، ولقد حاولنا أن نستعيد "فلسفة العمل" وهي فلسفة بقية الإنسانية منذ ميلاد الأداة الأولى، من المقبرة الأولى ومن الحلم الأول في حياة خالدة إبداعية.

وكان الإنفصال الثاني للغرب هو الحروب الصليبية وحروب الاستيلاء ومحاكم التفتيش ضد حكمة الشرق. وكان الإنفصال الثالث للغرب تلك "النهضة" المزعومة التي استخدمت الاكتشافات العلمية والتكنولوجية في الشرق (مثل البوصلة، والبارود، والمطبعة) لتحويلها إلى أدوات للسيطرة على الشعوب والأرواح. لقد بدأ هذا الانفصال عام ١٤٩٢، مع الإبعاد الأخير للثقافات الشرقية، بالاستيلاء على غرناطة، وغزو وتحطيم ثقافات سكان أمريكا الأصليين، بالجوع إلى الذهب بدءاً بكريستوفر كولومبوس. إنها إذن ٢٥٠٠ سنة من فلسفة السيطرة. ولا بد من تحديها، وفتح آفاق جديدة أمام الإنسان، واقتراح أن تستبدل بوحدة العالم تحت سيطرة الإمبريالية تلك الوحدة السيمفونية، ويستلزم ذلك الاستعانة بحكمة وثقافة العوالم الثلاثة لنضع الإنسانية في الطريق الصحيح للإزدهار المتبادل لكل الثقافات لكي نصد المرامى القاتلة للمركزية العنصرية الغربية، ونوقف الهيمنة.

لقد تسبب الغرب في حربين عالميتين اودت الأولى بحياة ثمانية ملايين من البشر، بينما اودت الثانية بحياة خمسين مليوناً. واذا كان بعض الساسة الغربيين يفتخرون بأن الديمقراطية الغربية جلبت إلى العالم فترة سلام استمرت ستين سنة فان هذا الادعاء يجانب الصواب، وينسب إلى ديمقراطية عالم الغرب انجازاً ليس من انتاجها، اذ السلام الذي ساد منذ عام ١٩٤٥ انما توفر بحماية قوة الردع النووى المتوازنة. والآن زال ذلك التوازن باختلالات بنيويه في كيان احد جانبيه، ومن غير المستبعد ان يستبد الغرور أو العناد ببعض القوى فيتم تدمير البيت الزجاجي، ولا تخلو الاجواء من ارهاصات بذلك. واذا كان الردع النووى قد زال أو ضعف اثره، فلابد ان يحل محله رادع آخر هو الوفاق الانساني المحكوم بالمواثيق والقوانين الدولية، ومبادئ المساواة والديمقراطية الحقيقية- وليس المتأكلة- بين البشر، وبين الدول كما هى بين الجماعات والافراد (١).


(١) حوار الإسلام والغرب- تأليف د. عبد الله أبو عزة ص٢٨٧

<<  <  ج: ص:  >  >>